حسابنا الإحتياطي على تويتر @haleeminc رجاء النشر
كلمة اليوم
الإيمان .. بين العلم والتصديق والالتزام
الخميس 03 يولية 2014
عدد المشاهدة : 133
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد من الأهم الأسبق هو أن يفهم المسلم تفاصيل عقيدته، ومركبات إيمانه، حتى لا يدخل عليه الخلل فيها، فيتسرب في شكل انحرافاتٍ هنا وهناك، تزيد في هذا وتنقص من ذاك، فإذا به يمرُق من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يمرق السهم من الرميّة. يتركب إيمان المسلم من ثلاثة عناصر، هي العلم بموضوعه، ثم التصديق بما علِم، ثم الالتزام به. وتفصيل ذلك، في عجالة سريعة، ما يلي: أما العلم، فإنه لا يصح إيمان بمجهول، والإيمان بالشئ فرعٌ عن تصوره، قال تعالى "فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك" فطلب العلم قبل العمل. والعلم المقصود هنا هو المعرفة، أيّ معرفة معنى لا إله إلا الله، كلمة التوحيد، وهي أقل ما يجب لإثبات إيمان. ثم بعدها يأتي العلم بالواجبات الشرعية، حسب الحاجة للواجب المعين، على المعين، في الوقت المعين. أما التصديق، فمطلق التصديق معناه إثبات صحة الخير إلى المخبر به، بلا زيادة. فإن هذا القدر من التصديق يقع من الكتابيّ والكاهن، أن يثبت صحة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون أن يتبعه، كما جاء في خبر كرز بن علقمة وأخيه، التي رواها بن القيم في زاد المعاد، قدوم وفد نجران، حيث قال كرزٌ لأخيه "فما يمنعك من اتباعه وانت تعلم هذا؟ قال أبو حارثةك ما صنع بنا هؤلاء القوم. شرفونا ومولونا وأكرمونا (يقصد نصارى نجران)، وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت لنزعوا منا كلّ ما ترى. فأضمر عليها منه كرزٌ بن علقمة حتى أسلم بعد ذلك"[1] والتصديق هنا في مسألتنا ليس بهذا التصديق، بل هو تصديق ينبني عليه العنصر الثالث، وهو المتابعة والالتزام بموضوعه. أما الالتزام، فإن له شقان، شق هو "التزام الإقرار والخضوع"، والشق الثاني هو "التزام التنفيذ"، فيتحصل لنا إذن أربعة أجزاء. و"التزام الإقرار والخضوع"، معناه أنه يجب على المسلم إعلان الإقرار بكل أمر ونهي في الشريعة، الخضوع لكل أمر ونهي، وهو ما تحملة دلالة كلمة التوحيد "لا إله إلا الله". أمّا "التزام التنفيذ" فهو يعنى التنفيذ العملي لكلِّ أمر ونهي في الشريعة حسبما وردت تكليفاً بها وامتثالاً بما أقر به المكلّف،. وهذا القدر من "التزام التنفيذ"، هو ما يجرى فيه معنى الزيادة والنقصان، فالمسلم، بعد أن يتحقق فيه عنصريّ العلم والتصديق، يفعل المطلوبات بدرجاتها، وينتهى عن المنهيات بدرجاتها، قدر الاستطاعة، فيكون محسناً بفعلها، ومسيئا آثماً بتركها، والعكس. وهو القدر الذي يتفاوت فيه الناس بين محسن وظالم لنفسه، وهو موضوع زيادة الحسنات وتراكم السيئات. وهو ما يتصارع فيه المسلم طوال حياته مع الشيطان، يريد الشيطان أن يضله ضلالاً بعيدا، وهو يقاوم، بعد أن ثبت لديه الثلاثة أجزاء الأولى "العلم والتصديق والتزام الخضوع"، فيعمل الصالحات ويبتعد عن السيئات. فالقاعدة أنّ من لم يعلم موضوع إيمانه، ليس بمؤمن، ومن لم يصدق بما علم، ليس بمؤمن، ومن لم يخضع ويُقر بما صدّق ليس بمؤمن. ثم يأتي دور العمل، يزيد وينقص. ولا يحسبنّ أحد أن الأجزاء الثلاثة الأولى التي ذكرنا، والتي هي مدلول التوحيد أو الإيمان المجمل كما يسميه شيخ الإسلام، ليس فيها عمل، فإن هذا يجرّ إلى القول بأن التوحيد قول بلا عمل، وهو قول المرجئة. بل إن في التزام الخضوع، قدرٌ عمليّ، وهو الإتيان بما يكون تركه كفر من الأعمال، وترك ما يكون الإتيان به كفر من الأعمال، مثال إقامة الصلاة، أو ترك السجود للصنم. فالإيمان، بهذا النظر، قولٌ عمل، يزيد وينقص، كما عليه أئمة أهل السنة والجماعة. وقد أخْطَأت في هذا المفهوم البسيط فرقتان، المرجئة والخوارج. أما المرجئة، فقد أخرجوا الالتزام بشقيه عن الإيمان، فأثبتوا العلم والتصديق لا غير، فصحّحوا إيمان من لم يُقر ويَخضع، أو من ارتكب بعض المكفّرات. وأما الخوارج فقد أدخلوا التزام التنفيذ بكامله في التوحيد، فلم يفرقوا بين الإيمان المجمل، والإيمان الواجب، فكان تكفيرهم لمرتكب المعصية من هذا الباب. وقد قصدت في هذه العجالة أن أبيّن هذا القدر المبسط في هذا الموضوع العظيم الجليل، دون الدخول في تفصيلات كثيرة حول كلّ نقطة فيه، لفائدة المسلم غير الباحث، فيعلم إيمانه بشكل مجملٍ، فلا يضيّع مركباً منه، ولا يدخل عليه آخر ليس منه. وقد فصّلنا هذا الأمر، من كافة جوانبه، في كتابنا "فتح المنان في بيان حقيقة الإيمان"[2] الذي نشرناه للمرة الأولى عام 1979، فليرجع اليه من أراد التفصيل بالإدلة والنقولات في كلّ نقطة مما ذكرنا. يوليو 3 2014، رمضان 5 1435 |
تعليقات القراءاضف تعليقك |