حسابنا الإحتياطي على تويتر @haleeminc رجاء النشر
كلمة اليوم
ما للحرورية البغدادية .. وما عليها!
الأربعاء 25 يونية 2014
عدد المشاهدة : 416
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد حتى لا يظن ظانٌ أننا نحمل على التنظيم البغدادي الحروريّ، دون اعتبار لكافة الأوجه التي يجب أن يعتبرها الناظر في المسألة، وهي بالذات مسألة حيازة أهل البدعة للقوة، أو ظهورهم على سطح الأحداث، وأثرهم في حفظ الإسلام، فإننا نقرر هنا أنّ تلك الجماعة البغدادية الحرورية ليست بدعاً في ذلك الأمر. إذ إن لها ما لها من نفع، وعليها ما عليها من ضرر. (1) ويجب، قبل أن نبدأ في الحديث عن هذا الأمر، أن نقرر أنّ الأحكام الشرعية ترتبط عادة برجحان أيّ الوجهين، المصلحة أو المفسدة. إلا إنه يجب أن يعتبر بُعد آخر في المسألة، وهو أن هذه المصلحة أو المفسدة المترتبة على الأفعال، يتغير قدرها بحسب الحال والوقت والمكان، ومن ثم تتغير الفتوى في حلّها أو تحريمها، أو صحتها أو بطلانها. فقد تكون مصلحة غالبة في وقت أو مكان أو حال، ثم تتبدل إلى مصلحة مرجوحة في غيرها، والشأن ذاته في المفسدة. وحين ننظر في تاريخنا، نجد أنّ ظهور الاعتزال، وعلم الكلام، في القرن الثاني الهجريّ، كان، على ما فيه من عيوب، قد نشأ بقصد سليم، وهو الدفاع عن فكرة الإسلام أمام الإلحاد، أو فكرة وجود الله في مواجهة فكرة عدم وجوده. وهو الميراث الذي ورثه الفكر الإسلامي من جرّاء انتقال الفلسفة اليونانية، وترجمة كتبها، وتسرب الطرق الفلسفية إلى منهج النظر الصافي، الذي يعود إلى القرآن وطرقه ووسائله في الإثبات والنفي. وقد كان دفاع المتكلمين عن الإسلام دفاعا له أوجهه الإيجابية، في وقتٍ ما، إلا أنّ مضرته ربت على منفعته، وتحول إلى علم بذاته، يرتبط بالطرق الفلسفية في أصوله، مما أبعد الدارسين عن القرآن وطرقه ووسائله. بل ساهم في تحوير معنى التوحيد، إذ أسماه أربابه علم "التوحيد"، فرسخ في العقول أنّ التوحيد هو إثبات وجود الله، إذ هو، ببساطة، موضوع علم الكلام، الذي هو علم "التوحيد"، مما أدى إلى البعد عن مفهوم توحيد العبادة الذي هو أصل التوحيد. وهذا الذي قررناه، يسرى على فكرة ظهور الخوارج في تاريخنا، وإن كانت فكرة الخروج أكثر دموية وأشد ضرراً من أي بدعة أخرى، إذ تتعلق بها الدماء والأعراض والأموال، ومن ثمّ، كانت هي البدعة التي حذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الخصوص، ووصف علاجها "لأقتلنهم قتل عاد"البخاري، بعد أن حذر من البدع عامة في قوله صلى الله عليه سلم عن العرباض بن سارية رضى الله عنه "وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة"الترمذي وأحمد. فالخروج، كأي بدعة، يقصد به عادة قصداً موافقاً للشرع، وهو تقرير الأحكام وإقامتها دون خلل أو تضييع، كما يراها أصحابها، وأن سلكوا اليها طرقاً غير مشروعة، كاستباحة دماء المسلمين تحت زعم ردتهم. والبدعة في أصلها، هي "عملٌ مخالف في شكله للشكل الشرعيّ، وإن قُصد به موافقة الشارع فيما قصد اليه. يقول الشاطبيّ "أن يكون الفعل أو الترك مخالفا والقصد موافقا فهو أيضا ضربان: أحدهما أن يكون مع العلم بالمخالفة والآخر أن يكون مع الجهل بذلك فإن كان مع العلم بالمخالفة فهذا هو الإبتداع ... ولكن الغالب أن لا يتجرأ عليه إلا بنوع تأويل"[1]. ونوع التأويل هنا هو ما نقصد اليه. فالخوارج، يقصدون موافقة الشارع في مقاصده، لكنهم يأتون بأعمال يعلمون أنها مخالفة للشرع من حيث أن قتل النفس ابتداءً إلا بحقها مخالف، وهنا يأتي التأويل، بالردة، أو مخالفة الشرع، أو عدم الحكم بما أنزل الله، وهكذا. وهو عين أصل الصوفية، والمعتزلة، والمرجئة، فأصلهم واحد ككافة أهل البدع، وهو ما عبر عنه الشاطبي في الاعتصام بأنه "طريقة في الدين، مخترعة، يقصد بالسير عليها التقرب إلى الله سبحانه"[2]. فكلهم، بما فيهم الخوارج يقصدون بالسلوك على طريقتهم التقرب إلى الله، وهم يزدادون من الله بعداً. فمن هذا النظر، نجد أنّ أصحاب البدع، عادة لا يصدرون عن قصد سوء على الإطلاق. ومن ثم، فإن النظر يتوجه إلى اعتبار بعض ما قد ينتج عن أفعالهم، حسب ما رآه أصحاب الطريق الأوسط من المجتهدين في تعارض العمل مع القصد[3]، حيث انقسموا إلى فريق يصححه إلا في بعض العبادات، وفريق يفسده كله، وفريق توسط، فأصلح ما أمكن، وأفسد ما يترتب على العمل[4]. ومن هذا النظر كذلك، فإن ما يتسبب عن أفعالهم، قد يحمل أوجها صحيحة، وقد ينتفع به الإسلام بشكل ما، في وقت ما، على حالٍ ما. لكنّ هذا لا يستمر ولا يضطرد بحال، إذ إن البدعة مذمومة بإطلاق، والبعد عنها مطلوب بإطلاق، ودفع مفسدتها مقدم على جلب مصالحها في الأعم الأغلب من الأحوال والأوقات والأزمان. (2) أما وقد مهدنا بالنظر الأصولي في هذا الأمر، فنعود إلى التيار الحروري البغدادي، الذي أصيب به الجهاد الإسلامي في العراق والشام، وامتد بعضه ليصيب التيار الجهاديّ في أماكن أخرى متعددة. والسؤال، هل كلّ ما يفعلونه باطل؟ وهل هم شرٌ محض؟ إذا نظرنا للتنظيم الحروري البغداديّ، وجدنا أنّ مقصده موافق لمقاصد الشارع عموماً، وهو إقامة حكم الله في الأرض، وإقامة ولاية أو دولة إسلامية تقوم على ذلك. فمقصد الغلاة موافق لمقصد الشارع. لكنّ عمل الغلاة من الحرورية البغدادية، للوصول إلى هذا المقصد باطل وحرام بلا خلاف، وهو محاربة المجاهدين، الموافقين في نفس القصد، والمخالفين في بعض الاجتهادات. والحرورية البغدادية يعلمون أن فعلهم هذا مخالف لمطلوب الشارع، لكنهم يتأولونه بأن هؤلاء قد ارتدوا عن دينهم. العجيب المضحك المبكي، أنهم يفعلون ذات ما اتهموا به "المرتدين" من المخالفين. فقد قتلوا الحضرمي على أخذه مبايعات من عوام ينتمون للجيش الحر، ثم أخذوا هم بيعات من الأركان والبعثيين وحاربوا صفا مع عزة الدورى الصدامي البعثي. ومرة أخرى، لعلمهم أنّ هذا الفعل الذي هو المخالفة إلى ما نهوا عنه غيرهم، هو نفاق مخالف للشرع، تأولوا بأن هؤلاء "تابوا وأنابوا وأصلحوا"، أو إنهم "يحاربون على نفس الهدف". وهو تأويل باطل ونفاق ظاهر. فبأي مبرر يحاصرون الشرقية إذن؟ السبب هو القضاء على المخالف، فهو أمرٌ سياسيّ بحت، يأخذونه على الملوك والحكام الذين يتخلصون من معارضيهم بالقتل، ثم يفعلون نفس الفعل المخالف للشرع، عالمين به، إدعاء أنه يقربهم من الله بإقامة الصنم المعبود "الدولة". ومن هنا نرى أن فعل هؤلاء بدعة بكل ما تحمل هذا الكلمة من معان، كيفما نظرت اليها. لكن .. لاشك أنّه قد تحققت بعض المصالح بظهور هذا التيار المُعبأ بالغلو، إذ إنه قد أثبت للمترددين والخائبين والمتقاعسين إنه، وإن كان في قادته تسرع وغلو وقصر نظر تجدها في قادة الغلاة عامة، يمكن للإسلام أن تعلو رايته، وأن يكسب أرضاً وأن يحرر بشراً، على نطاق واسع. كما أثبت ضعف القوى العلمانية أو الرافضية، أو أيا كانت، عن مواجهة تقدم إسلاميّ، وإن كان التقدم الذي حدث كان بسبب العشائر التي هي بمثابة "الحاضنة الشعبية" التي رفضها الغلاة من قبل، وبمعونة "البعثيين" الذين كفّرهم الغلاة من قبل كذلك. لكن الصورة العامة لا تزال في صالح إثبات قوة الإسلام وإظهار قدرته على الحركة والنجاح. كذلك، فقد أعادت الحماسة، والتي هي في حقيقتها فوبيا، الثقة في قلوب الكثير من العوام، والأمل إلى قلوبهم، وإن كان ذلك مبني على باطل كما سنبين. وهذه المصالح كلها قد عارضتها مفاسد أكبر منها، وعلى رأسها القيام على بدعة، فهذا في ذاته مضرة بالإسلام أكبر في أثرها من أيّ معصية أو كبيرة. ثم قتل الأنفس التي حرّم الله، بتأويل فاسد منافق بدعيّ لا يستند إلى شرع حقيقة، لكن إلى أغراض سياسية، مغلفة بلباس شرعيّ واهٍ من كلمات منمقة مزينة بقال الله وقال الرسول! وقد كان القرآن والأحاديث دائما مصدر الفرق البدعية، لكن كانت المشكلة دائما في تنزيلها على مناطاتها الصحيحة، وهو الذي يفترق فيه السنيّ عن البدعيّ. ثم عارضتها مضرة شقّ الصف وتحطيم القوى الجهادية التي كان من الممكن مضاعفتها لولا الحرب التي شنوها على السنيين من المجاهدين بتلك الدعاوى التي تأولوها، ثم فعلوا أكثر منها، دون حياءٍ عند القادة، ولا عقل يميز عند الجنود والأتباع. والغرب يعلم أنه لو لم يتدخل، وترك العراق وحده، لتكفل التنظيم الحروري بتدميره، من حيث سيقاتل العشائر وبقية المخالفين من أنصار الإسلام والنصرة وكافة من لا ينضم تحت لواء صنمهم المعبود "الدولة". ثم ، وهو الأهم، أنّ الله لا يصلح عمل المفسدين، ونقاء العقيدة من البدعة هو غرض أساسيّ في مقاصد الشارع، إذ إن ضررها واقع لا محالة، سواء أدركناه أم لم ندركه، وهو خطر ماحق على الأجيال القادمة. فكما أشرنا في بحث سابقٍ، أن المصلحة هي الفعل الشرعي ذاته، وأن المضرة هي النهي الشرعي ذاته. فسواءً أدركنا ما يفوت من مصالح أو ما يقع من مفاسد بسبب هذه العقيدة الحرورية التي تأوّل لنفسها كما هو حال كلّ فرق البدعة، أم لم ندركها، فإن الضرر واقع لا محالة، والمصلحة الأعلى فائتة لا محالة. وقد بنت الحرورية البغدادية أحد آرائها الشاذة، التي أدت إلى خراب كثير، ومغالاة في التكفير، على أقوال أحد المقيمين في بلاك آل سلول، يدعونه بالعلامة الحازميّ، حيث أوقعهم في فتنة السماح للعامة بالحكم بالتكفير والردة، وبتكفير العاذر، وهما بدع في القول، وإن ألبسهما ما شاء من نصوص مُلَبِّسَة على العوام. والعجيب المضحك كذلك، هو أن هذا الرجل ذاته يعيش في أحضان مملكة سلول، ولا يكفّر طواغيتها، الذي هو دين الحرورية وعمدة مذهبهم، أعنى تكفير الطواغيت وعلى رأسهم آل سلول. فهذا الرجل بين أمرين، لو أنصفوا، فهو إما عاذر لطاغوت آل سلول، إذ لم يخرج من فيه كلمة واحدة ضده، بل كلها تؤكد ولاءه لطاغوت آل سلول، فهو عند الحرورية البغدادية كافر بطريق اللزوم من واقع فتواه، أو إنه يرى أن التوحيد لا يتضمن الحكم بالشرع، وأنه في الدعاء والنسك لا غير، وهو عندهم إذن كافر كذلك بطريق اللزوم! ولا أريد هنا أن أدخل في تناقضاتهم، فهي أكثر من أن تستوعبها هذه المقالة، لكن أردت أن أثبت هنا عمى من ينظر إلى تلك المصالح الثانوية التي تتحقق على الأرض دون أن ينظر إلى الصورة في تمامها. وقد جاءني تعليق من أحد متابعي #باقية، على فائدة كتبتها، أن لابد أن تخرجوا قائمة بأسماء علمائكم الذين تعتمدون عليهم في قتل الأنفس وحرق الأرض، قال :وهل العلماء وحدهم هم من يعرفون الحق لنتبعهم؟؟ وأكتفي بهذا القول دليلاً على ضلال وإضلال هذه الفرقة لعقول الدهماء. د طارق عبد الحليم 25 يونيو 2014 – 26 شعبان 1435 |
تعليقات القراءاضف تعليقك |