يهنئ الموقع المسلمين السنّة في أنحاء العالم بعيد الفطر المبارك، وندعو الله أن يرفع عن المسلمين الغمة في كلّ مكان، وأن يرفع العدوان عن غزة
مقالات وأبحاث
الجهاد الشامي ومسارات الفتنة - 3
السبت 26 أبريل 2014
عدد المشاهدة : 303
الثورة بعين قوى « الجبر» ما يقوله « المركز» والنظام الطائفي عن الثورة في سوريا لم يكن خفيا أو سريا بقدر ما كان صريحا وواضحا بلا أي لبس أو مواربة. لكن المدهش والمحير حقا أن الحقيقة التي بات « المركز» يستشعرها بخطورة بالغة ويتصدى لها بشتى الآليات والأدوات لا يبدو أن الأمة تصدقها أو تحتمل تجلياتها الصارخة، ولا يبدو أنها مهيأة لدفع ثمنها بعدْ إلا من رحم الله. لذا لم يكن عيبا أو غريبا أن تتصرف أمة واقعة تحت « الجبر» بعقلية « الجبر» وما يهوى فتطالب الثورات بتدخل دولي من « المركز» ضد نظام مستبد وهي تعلم يقينا أنه هو من قام بزرعه وحمايته لعشرات السنين!!! ولم يكن عيبا أو مثيرا أن تستنصر الثورات بالرأي العام الغربي وهو الذي لم يخرج باحتجاج واحد على ذبح المسلمين وحرقهم وتقطيع أوصالهم في كل مكان من العالم!!! ولم يكن عيبا على القوى والنخب التي تسلقت الثورات أن تجتهد في استرضاء « المركز» وقوى الثورة المضادة وتقديم ما يلزمهما من التطمين لتحقيق « توافق» موهوم حتى لو كان من جيب الشريعة والعقيدة!!!
ومع ذلك فليس صحيحا القول أن ما يسمى بالربيع العربي تحول إلى خريف أو شتاء، أو أن الثورة السورية عرقلت تقدمه بقدر ما اختُزل الحدث الثوري برمته في الثورة السورية التي أرعبت وأقلقت وأقَضَّت، ولمّا تزل، مضاجع كل النظام الدولي ومعه نظم الاستبداد، سواء تلك التي وصلتها الثورات أو لم تصلها بعد. قد يبدو مملا معاينة مئات التصريحات والمقالات والتقارير الدولية حول موضوع بعينه، لكنها مدهشة ومثيرة ومرعبة حين نكتشف من خلالها حجم الثورة السورية ومكانتها، وهي تتحدث عما (1) ألحقته من إصابات بالغة في النظام الدولي، أو (2) عن صراع النفوذ على النظام الدولي، أو عن (3) تهديدات بانهيار النظام الدولي برمته، أو عن (4) زوال النظام الدولي، بصيغته التقليدية، أو عن (5) وصول النظام الدولي إلى طريق مسدود إلا من الاحتفاظ بالطائفة « النصيرية» كطائفة مستأمنة على أمن النظام، وتتمتع بامتيازات السلطة، أو عن سياسات تهدد بـ (6) حرب أهليه ثانية، وأخرى تتهيأ لـ (7) وضع سوريا تحت الوصاية الدولية الأمنية والعسكرية، وتمهد لذلك بـ (8) ضرب الثورة السورية من الداخل قبل فرض أي حل، أو (9) الاستسلام لفراغ في السلطة قد يستمر أكثر من عشر سنوات قادمة.
وليس صحيحا أيضا أن الاقتتال الجاري في الشام بين القوى الجهادية هو اقتتال فتنة فقط حتى لو بدت عناصر الفتنة فيه كامنة وأوضح من الشمس في رابعة النهار. ولم يكن أحد من هذه القوى التي تورطت في الاقتتال بغافلة عن التحضيرات الدولية التي تجري على قدم وساق لافتعالها. لكن مراقبتها لسياسات النظام الدولي والإقليمي كانت أضعف من أن تقرأ المشهد الجهادي في الشام على حقيقته فضلا عن ضعفها المرير والمزمن في قراءة المشهد العالمي الذي تمر فيه البشرية في لحظة انعطاف هائلة لم تكن في مستوى قيادتها. لذا فإن سقوطها بلا استثناء في فخ الفتنة لم يكن، مع كل الوضوح الذي بدا عليه المشهد، إلا تعبيرا عن قصور فظيع خالطه قدر أفظع من الهوى والعصبية وتصفية حسابات قديمة فضلا عن الاختراقات وجنون العظمة الذي لازم البعض من قيادات الجماعات الجهادية والشرعيين.
أولا: النظام الدولي
1) الصراع على النفوذ
في 10/5/2013 نشرت صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية تقريرا عن صراع النفوذ بين الولايات المتحدة والصين أشارت فيه إلى أن: « تردد أميركا في اتخاذ خطوات فعالة في سوريا والمنطقة دفع الصين إلى المبادرة ومحاولة خلق علاقات إستراتيجية بالمنطقة، ليس بسبب ثرائها بموارد الطاقة أو التهديدات الأمنية، بل لأنها ستكون أهم مناطق العالم التي سيتم فيها حسم المنافسة بين القوى العالمية الكبرى». ورأت أن: « المنطقة من باكستان إلى ليبيا هي أكثر مناطق العالم التي تمر بمرحلة تحول عاصف منذ نهاية الإمبراطورية البريطانية».
وفي أعقاب فشل المجلس في اتخاذ أي إجراء بخصوص مجزرة الغوطة الكيماوية في 21/8/2013 قالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماري هارف،: « إن الخطوات التي اتخذتها روسيا بما في ذلك الاعتراض على ثلاثة قرارات سابقة لمجلس الأمن تدين حكومة الرئيس بشار الأسد، تشكك فيما إذا كان المجلس هو المكان المناسب للتصدي للحرب المستمرة منذ عامين». ووصف الكاتب بول فاليلي فقد وصف في مقال له في صحيفة « ذي إندبندنت أون صنداي – 8/9/2013» البريطانية، مجلس الأمن الدولي بأنه « معطل»، ونسبت الصحيفة إلى سفيرة الولايات المتحدة الأممية، سمانثا باور، قولها: « إن المجلس لم يعد يقوم بالواجبات التي نشأ من أجلها في أعقاب الحرب العالمية الثانية»، مشيرة إلى أن: « النظام الأممي اُبتكر عام 1945 للتعامل مع التهديدات من هذا النوع في المقام الأول».. ( لكن) .. « مجلس الأمن الدولي لا يقوم بمنع الأخيار من السيطرة على أفعال الأشرار وكبحها، ولكنه يتيح لروسيا استخدام حق الفيتو من أجل حماية حليفها الأسد، رغم إمعان الأخير في ذبح المدنيين بدم بارد وبالغازات السامة». وأكثر من ذك، قالت الصحيفة أن: « رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، يتبنى نفس وجهة النظر من المجلس الأممي». وبهذا المنطق فإن ضربة في الصميم تعرضت لها مصداقية الولايات المتحدة عند حلفائها. فمن سيثق بعدها أن الولايات المتحدة مرجعية يمكن الوثوق بها!!!؟
وفي 11/9/2013 كتب المعلق في صحيفة « إسرائيل اليوم»، بوعاز بسموت، يقول أن: « كل المؤشرات تدل على أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وليس أوباما هو الذي يدير مقاليد الأمور في العالم، مما قلص من أهمية الخطاب الذي ألقاه أوباما حتى قبل أن يتفوه بكلمة واحدة».
أما الكاتب إيلاي سولتزمان في صحيفة « لوس أنجلوس تايمز - 12/9/2013» فكان أشد وضوحا في مقالته التي كتب فيها يقول: « إن لدى بوتين عقيدة تتمثل في السعي لبناء روسيا على حساب نفوذ الولايات المتحدة في العالم»، ... وأنه: « سعى لتحقيق هذا الهدف بشكل ممنهج منذ اعتلى سدة الحكم .. إنه يسعى إلى تجديد وضع روسيا على الخارطة العالمية، وإلى زيادة نفوذها السياسي على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك من أجل جعل البلاد تصبح دولة عظمى مرة أخرى»، .. وأنه: « استغل موارد روسيا الاقتصادية لتقوية الجيش الروسي، والذي تضاعفت ميزانيته ثلاث مرات منذ حوالي عشر سنوات».
ومن جهتها قالت صحيفة الـ « واشنطن بوست - 14/1/2014» إن: « أوباما تعهد قبل خمس سنوات بتحسين صورة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، بل أن: الدور الأميركي بدأ يتضاءل في الشرق الأوسط، وأن خطة أوباما الكبرى لاستعادة مكانة واشنطن ونفوذها ووجهت بالتطورات السريعة والمشؤومة من أفغانستان إلى تونس، وسط صراع مرير بين السعودية وإيران للهيمنة على المنطقة، وأن: « الولايات المتحدة تواجه انتقادات إزاء سياساتها في كل من سوريا والعراق ومصر وليبيا وفلسطين وإسرائيل وأفغانستان وإيران ومنطقة الشرق الأوسط برمتها، وأن: « إدارة أوباما تسعى لشراكة مع إيران دون الاهتمام بالديمقراطيات الناشئة في تونس وليبيا، وبالتالي فإن الولايات المتحدة تخسر حلفاءها في المنطقة الواحد تلو الآخر».
في بداية الثورة السورية كانت التصريحات الروسية بخصوص النظام الدولي أكثر وضوحا من التصريحات الغربية. ولعل أول التصريحات المثيرة كانت تلك التي أدلى بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عبر إذاعة « كومرسانت إف إم – 21/3/2012»، وحمل فيها بشدة على قادة الغرب حين قال: « إنّ الصراع يدور في المنطقة كلها، وإذا سقط النظام الحالي في سوريا،
وفي تصريح له لوكالة الأنباء الروسية « نوفوستي – 3/9/2012»، أكد لافروف: « ] إن روسيا والولايات المتحدة تصبوان إلى تحقيق الهدف الواحد في سورية، وهو أن « تتحول سورية إلى نظام ديمقراطي تعددي يمارسه السوريون بأنفسهم في حين تحترم جميع الدول الأخرى سيادة سورية واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، ولكنهما تختلفان على كيفية تحقيق هذا الهدف[»، وكان صريحا أكثر في ذات التصريح، لمن لا يريد أن يعقل الحقائق بلسان أهلها، حين قال: « من الواضح أن تواجدنا الإنساني في العالم لا يساوي قدراتنا ونحن نلاحظ هذا بسهولة .. إننا نستعيد بشكل واسع مواقعنا التي خسرناها في تسعينات القرن السابق، ونحن متخلفون جداً عن اللاعبين الدوليين في هذه المنطقة مثل الفرنكوفونيين، ومعهد جوته».
ومن جهته قال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية، الكسندر لوكاشيفيتش، في مؤتمر صحفي عقده بموسكو 21/6/2012: « من الواضح تماما أن الوضع السوري مرتبط بأسس النظام العالمي المستقبلي، وكيفية تسوية الوضع ستحدد إلى حد كبير كيف سيكون هيكل نظام الأمن الدولي الجديد والوضع في العالم عموما». وردا على التصريحات الغربية التي أعقبت بيان مؤتمر « جنيف1 - 30/6/2012»، واتهام روسيا بالتمسك بالأسد قال السفير الروسي في باريس، ألكسندر أورلوف، (20/7/2012): } إن ما تدافع عنه روسيا ليس نظام بشار الأسد، « لكنه النظام الدولي»{.
ولا ريب أن المتابع يتذكر جيدا تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين تحدث عن الصراع على النفوذ في 11/7/2012 قائلا: « إن نفوذ الغرب آخذ في الاضمحلال مع تراجع اقتصاده .. وأنه .. مشارك في دبلوماسية منفردة خارج الأمم المتحدة للحفاظ على نفوذه في السياسة العالمية».
وبعد مذبحة الغوطة ذهب إلى حد التهديد بانهيار النظام الدولي. ففي المقالة التي كتبها في صحيفة « نيويورك تايمز – 12/9/2013». ففي مقالته، التي جاءت بعد خطاب الرئيس الأمريكي والمقترح الروسي بنزع الأسلحة الكيماوية، تحدث بوتين عن خطر تفكك النظام: « ... لا أحد يرغب في أن تواجه الأمم المتحدة نفس المصير الذي آلت إليه عصبة الأمم من قبلها» .. مشيرا إلى أن انهيار الأمم المتحدة ممكن طالما أن: « الدول المؤثِّرة تتجاهل الأمم المتحدة وتنصرف إلى العمل العسكري دون تفويض من مجلس الأمن الدولي ». بل أن بوتين هدد بفوضى عارمة حين قال: « إن أي ضربة سوف تفاقم العنف وتُطلق العنان لموجة جديدة من الإرهاب. وقد تقوض الجهود المتعددة الرامية إلى حل مشكلة النووي الإيراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتزعزع استقرار الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر. بل إن من شأنها أن تُفقد منظومة القانون والنظام الدولي برمتها توازنها».
2) نهاية « سايكس – بيكو»!
بعيدا عن التيار الجهادي العالمي؛ فلم يكن أحد من « المركز»، قبل الثورة السورية، يتحدث عن مخاطر حقيقية تتهدد منظومة « سايكس – بيكو» التي قسمت بموجبها بريطانيا وفرنسا بلاد الشام سنة 1916. ولا عن نماذج « سايكس – بيكو» التي مزقت العالم الإسلامي، وحطمت بنيانه، وصادرت سلطانه قبل وبعد سنة 1916. لكن بعد الثورة صار الأمر موضع تداول من رموز « المركز» نفسه وأجهزة أمنه وليس من صحفييه وكتابه فحسب.
كنموذج سياسي من القراءات، يمكن ملاحظة ما كتبه وزير الخارجية الألماني الأسبق، يوشكا فيشر، في مقالة نشرت على موقع «الجزيرة نت - 1/6/2013 » بعنوان: «أمريكا المفتقدة». إذ قال فيها: « ( لقد) جرى الحفاظ على النظام الإقليمي الذي خلقته القوى الاستعمارية الفرنسية والبريطانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وإلى نهاية الحرب الباردة والحقبة الوجيزة من الهيمنة الأميركية الأحادية التي أعقبت نهايتها، بيد أن اضطرابات السنوات الأخيرة العنيفة ربما تفضي إلى نهاية هذا النظام .. الآن أصبحت الحدود الاستعمارية محل تشكيك، ومن الصعب أن نتكهن بما قد تنتهي إليه أحوال سوريا ولبنان والعراق والأردن. والآن أصبحت إمكانية تفكك المنطقة وإعادة تشكيلها - وهي العملية التي قد تطلق أعمال عنف لا توصف كما يحدث في سوريا - أعظم من أي وقت مضى».
أما أمنيا فثمة نموذج المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA)، مايكل هايدن، الذي كان مديرا للوكالة ( 2006 – 2009)، ثم مديرا للوكالة الوطنية للمخابرات ( 1999 – 2005). ففي 14/12/2013 عرض لثلاثة سيناريوهات « مخيفة بشكل رهيب» ليس منها انتصار المعارضة:
« أن ينتصر الأسد .. وفي حال تحقق هذا الأمر، وهو مخيف أكثر مما يظهر، فإنني أميل إلى الاعتقاد بأن هذا الخيار سيكون الأفضل بين هذه السيناريوهات المرعبة جدا جدا لنهاية الصراع. إن الوضع يصير كل دقيقة أكثر فظاعة».
« تفتت البلاد بين فصائل متخاصمة. وهو « الأكثر ترجيحا»، ويعني « نهاية سايكس – بيكو». وسيؤدي ذلك إلى: « تفتت دول وجدت بشكل اصطناعي في المنطقة .. وولادة منطقة جديدة بدون حوكمة على تقاطع الحضارات. وبحسب هايدن فإن ما يجري في سوريا: « هو سيطرة المتطرفين السنة على قسم كبير من جغرافيا الشرق الأوسط ...، وهذا يعني انفجار الدولة السورية والشرق كما نعرفه».
«استمرار المعارك إلى ما لا نهاية، بحيث يبقى: متطرفون سنة يحاربون متعصبين شيعة، والعكس بالعكس. مشيرا إلى أن: « الكلفة الأخلاقية والإنسانية لهذه الفرضية ستكون باهظة جدا».
وفي المحصلة: « لا أستطيع أن أتخيل سيناريو أكثر رعبا من الذي يجري حاليا في سوريا». هذه هي العبارة التي ختم بها المسؤول الأميركي قراءته للحدث السوري.
وعلى المستوى الإعلامي تحدثت صحيفة « نيويورك تايمز – 6/1/2014» عن « فراغ في السلطة» في الشرق الأوسط مشيرة إلى أن: « الأحداث الراهنة في المنطقة تبرهن على أن غياب الدور الأميركي فيها أدى إلى صعود الإسلاميين المتعصبين»، وأن: « المنطقة برمتها مهددة بالفوضى». ولاحظت الصحيفة أن الزعماء العرب: « يتحركون بقوة من منظور طائفي ومنطلقات أخرى لملء الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى في المنطقة».
لكن مجلة « نيوزويك - 14/1/2014» الأمريكية صبت غضبها على إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقال نشرته بعنوان: « من ضيع الشرق الأوسط؟ »، ولاحظت فيه أن: « الأنظمة العربية بدأت تضعف، وإن الدول العربية آخذة بالتفكك، وإن الحدود القديمة بدأت بالتلاشي»، .. وأن: « الشرق الأوسط يشهد أزمات عاصفة»، وأن: « المتطرفين بدؤوا يحققون انتصارات ومكتسبات على الأرض وسط الصراع الطائفي الملتهب في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق»، .. وأن: « الولايات المتحدة انسحبت من العراق دون أن تعقد اتفاقا أمنيا يكون من شأنه إبقاء قوات عسكرية أميركية في البلاد»، .. وأنه: « ليس لدى الرئيس الأميركي أي خطة لإعادة تشكيل المنطقة بعد أن بدأ نموذج الدولة المركزية يفقد السلطة لصالح المجتمعات المحلية، والتي بدأت بدورها تمارس حكما ذاتيا بعيدا عن سلطة الحاكم المستبد»، .. وأن: « الشرق الأوسط يشهد فراغا للسلطة في ظل غياب الدور الأميركي»، لاسيما « في سوريا»، وخلصت إلى القول بأن: « غياب الولايات المتحدة والفراغ الذي تتركه في الشرق الأوسط من شأنه تهديد استمرار وجود الدول التي نشأت بناء على اتفاقية سايكس - بيكو في أعقاب الحرب العالمية الأولى».
3) سقوط الدومينو سبق للرئيس السوري بشار الأسد، حين سئل بعد الثورة التونسية والمصرية، عما إذا كان من الممكن أن تندلع ثورة في بلاده فأجاب بالنفي، مشيرا إلى أن « سوريا مختلفة»!!! ولما وقعت الثورة هدد بـ « إشعال الشرق الأوسط في ست ساعات»، وفي مقابلة عاصفة مع صحيفة « الصندي التلغراف – 30/10/2011 » البريطانية، ذكّر الأسد « المركز» بالواقع الذي لم يختلف عليه أحد منذ تم اختيار الطائفة « النصيرية» لتكون الأمينة على النظام الدولي وأمن المنطقة، فقال:
« إن سوريا اليوم هي مركز المنطقة .. سوريا مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف .. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال، .. هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟ .. أي مشكلة في سوريا ستحرق المنطقة بأسرها .. إذا كان المشروع هو تقسيم سوريا، فهذا يعني تقسيم المنطقة برمتها ... »، هذا لأن تقسيم سوريا وحدها بوصفها مربطا أمنيا سياسيا دوليا لا يكفي إذا ما سقطت الطائفة والنظام. وليت الذين يتحدثون عن فكرة إقامة دولة علوية في سوريا يدركوا أن المنطقة كلها ستصبح معرضة لتغيرات جيوسياسية تغير بنيتها بالكامل.
ذات الأمر كرره في حديث خاص لقناة « روسيا اليوم» نشرت مقتطفات منه في 8/11/2012، حيث حدد الأسد مكانة سوريا، أو بتعبير أدق مكانة الطائفة « النصيرية»، في النظام الدولي قائلا: « أعتقد بأن كلفة الغزو الأجنبي لسوريا، لو حدث، ستكون أكبر من أن يستطيع العالم بأسره تحملها، لأنه إذا كانت هناك مشاكل في سوريا، خصوصا وأننا المعقل الأخير للعلمانية والاستقرار والتعايش في المنطقة، فإن ذلك سيكون له أثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي .. لا أعتقد بأن الغرب يمضي في هذا الاتجاه، لكنه إذا فعل فلن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما سيحدث بعد ذلك».
وهذه الحقيقة الضامنة لضرورة استمرار الطائفة في الحكم، وليس الأسد بعينه، سبق وأكدها رفعت الأسد، في مقابلة مشتركة مع وكالة « فرانس برس» وصحيفة « لوموند – الفرنسية - 14/11/2011»، حين قال بأن: « الحل يكمن في أن تضمن الدول العربية لبشار الأسد سلامته كي يتمكن من الاستقالة وتسليم السلطة لشخص لديه دعم مالي ويؤمن استمرارية جماعة بشار بعد استقالته، يجب أن يكون شخصًا من عائلته: أنا أو سواي» .. حقيقة تقع ضمن صيغة « الحل مع النظام» التي عبر عنها وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ليون بانيتا، في مقابلة تلفزيونية في 31/7/2012 زعم فيها أن الولايات المتحدة لن تكرر « خطأ العراق!!! حين قامت بحل الدولة ومؤسساتها: « إن الحفاظ على الاستقرار في سوريا سيكون مهما وفق أي خطة تتضمن رحيل الأسد عن السلطة، وأن أفضل طريقة لتحقيق ذلك هو الحفاظ على أكبر قدر من الجيش والشرطة متماسكاً». وهو عين ما تناقلته وسائل الإعلام عن وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون في 12/8/2012: « يتوجب على الشعب السوري قيادة عملية الانتقال السياسي وأن يحافظ على سلامة المؤسسات السياسية بالبلاد».
لكن الحقيقة الثابتة أن العراق زمن الرئيس الراحل صدام حسين كان محسوبا على السنة، مما استدعى تفكيكه وتسليمه للشيعة وإيران، وهو ما اعترفت به مقالات المسؤولين الأمريكيين وكتاب الصحف الأمريكية بمناسبة مرور عشر سنوات على احتلال العراق، في حين أن « النصيرية» في سوريا هي امتياز دولي ليس من العقل الغربي التفريط به. وليس هذا ، بطبيعة الحال، بعيدا عن موقف المبعوث الدولي الجديد الأخضر الإبراهيمي وهو يعبر عما قاله بانيتا وكلينتون بالصيغة الدبلوماسية: « على السوريين أن يجتمعوا معا على كلمة واحدة من أجل التوصل إلى صيغة جديدة. هذا هو السبيل الوحيد ليتمكن جميع السوريين من العيش معا في سلام في مجتمع لا يقوم على الخوف من الانتقام بل على التسامح».
مطلع الربيع عاد الأسد يتحدث للمرة الثانية عن « نظرية الدومينو». ففي 2/4/2013 أجرت قناة « أولصال» وصحيفة « إيدنليك» التركيتين لقاء معه بثه المكتب الإعلامي في الرئاسة السورية على موقع فيسبوك مساء 5/4/2013، وقال فيه: « الكل يعرف أنه إذا حصل في سوريا اضطراب وصل إلى مرحلة التقسيم أو سيطرة القوى الإرهابية في سوريا أو كلتا الحالتين، فلا بد أن ينتقل هذا الوضع إلى الدول المجاورة أولا، وبعدها بتأثير الدومينو إلى دول ربما بعيدة في الشرق الأوسط ويستمر لسنوات وربما لعقود طويلة». ووجه كلامه إلى القيادة التركية مشيرا إلى أن: « الحكومات ستذهب ولن تبقى إلى الأبد .. علينا ألا نسمح للحكومات والمسؤولين الحمقى منهم وغير الناضجين أن يضربوا هذه العلاقة .. (لكن) المشكلة هي كيف تقنع المسؤولين الأتراك الآن الموجودين في الحكومة - وفي مقدمهم رئيس الحكومة- بأن الحريق في سوريا سيحرق تركيا.. هو لا يرى هذه الحقيقة».
كل هذه التصريحات تؤكد حقيقتين هما:
الأولى؛ أن عظمة الثورة السورية تكمن في قدرتها على هز النظام الدولي من جذوره بما لم تستطع فعله كل قوى الأمة وجهودها في المائة سنة الماضية. ولعل من يفتش في التراث السياسي الدولي لن يجد تصريحات من هذا النوع أبدا. ومع ذلك ثمة من يتوسل النظام الدولي في الحل والنصرة أو ينزوي كالنعامة في أضيق الحدود بدلا من أن يستغل الظرف الراهن للخروج من الهيمنة أو على الأقل إحداث تغيير ما في معادلات القوة القائمة منذ عشرات السنين.
أما الثانية ففي التأكيد على أن الصراع الدائر بين القوى الدولية هو صراع على النفوذ من جهة وعلى قيادة النظام الدولي من جهة ثانية وليس صراعا على نصرة سوريا أو الأسد. ومن الغبن، إنْ لم يكن من الحماقة والبلاهة وكل التوصيفات المشينة، الاعتقاد بأن الروس والصينيين والإيرانيين يتحملون وزر الدماء والدمار الذي لحق سوريا دون الأمريكيين أو البريطانيين أو الفرنسيين.
وعليه فلا يمكن للنظام الدولي أن ينجح في التلاعب بمصائر الناس ما لم يكن من بين الناس من هو قابل موضوعيا، ومؤهل أخلاقيا، ومفرِّط عقديا، لِأن تمضي الألاعيب حتى نهاياتها. ولا يمكن أن تكون القوى القابلة للامتطاء الدولي، بقطع النظر إنْ كانت إسلامية أو علمانية، إلا من النوع الذي لا يضيره أن يدفع من جيب العقيدة ثمنا لدساتير الحداثة، أو الذي يتخذ من أنهار الدماء مجرى غزيرا للثراء، أو الذي يصر عبثا، منذ بداية الثورة، على المطالبة بالحصول على ما يلزمه من سلاح للإطاحة بالأسد، أو إقامة منطقة حظر جوي أو ممرات آمنة، أو الذي يتعبد الله بالوصاية الغربية على سوريا بحثا عن جيفة يعتقدها غنيمة .. هؤلاء وأمثالهم مؤهلون لارتكاب الموبقات السبع إما مكابرة وجهلا وإما يقينا وإما مصلحة وإما نجاةً وإما بُعْداً عن التكلفة.
سواء فَقِهَ هؤلاء أو لم يفقهوا .. علموا أم لم يعلموا .. قبلوا أو رفضوا .. أحبوا أو كرهوا .. فإن الحقيقة الوحيدة تؤكد بأنه من المستحيل الاعتقاد بأن « المركز» يمكن أن يفرط بسوريا باعتبارها مربطا سياسيا إقليميا، وأمنيا دوليا، ما لم يتم اقتلاعه من الجذور بالقوة كما زُرِع بالقوة. إذ أن نجاح الثورة السورية في اقتلاعه سيؤدي إلى انتقال النظام الدولي من حالة النظام المُهَدَّد إلى حالة النظام المُنهار مع ما يستتبع هذا الانهيار من فوضى عالمية طاحنة!! لذا من الهوس الاعتقاد بأن شقي النظام الدولي ( الشرقي أو الغربي) يمكن أن يستأمنا أصحاب الظهور المنحنية على أمن النظام الدولي وسلامته وصلابته عبر تفاهمات واتفاقيات ومعاهدات لا قيمة لها تذكر ما لم تكن تعبيرات عن قوى مادية.
العجيب يكمن أيضا في ذلك الذي ظل يردده البعض من السوريين، جهلا أو مكابرة، وهم يبررون مطالبهم بالتدخل الغربي لإسقاط الأسد باعتباره رأس النظام. أما بقايا النظام فهم قادرون على التعامل معه!!! مشكلة هؤلاء الذين فشلوا في المكر بما يسمونه « النظام الأمني الأسدي» أنهم يعتقدون بقدرتهم « الخارقة» على المكر بالنظام الدولي! وكأن هذا النظام، الذي بلغ من القوة والهيمنة ما بلغ، وزرع « النصيرية» في الشام و « اليهودية» في بيت المقدس، واستحوذ على الفتوى، وأدخل العالم الإسلامي برمته تحت جبره، ساذجا إلى الحد الذي يمكن لهؤلاء المكر به وخداعه، لا ريب أن هؤلاء ضلوا، ولو كان بمقدور المؤمنين، وليس هؤلاء فحسب، أن يمكروا بملل الكفر لما تكفل الله، عز وجل، بهم حين قال: ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾؟
الثابت الوحيد الذي لا جدال فيه أنه ما كان لهؤلاء وأمثالهم أن يسترضوا « المركز» أو يغروه أو ينتزعوا منه ولو سلة غذاء، ناهيك أن يحظوا بنصرة من « الناتو» أو حظر جوي أو مناطق آمنة أو سلاح لم ينفكوا عن المطالبة به حتى بعد أن دخلت الثورة عامها الرابع وغدا الناس يموتون من الجوع وليس فقط من البراميل المتفجرة. فليتأمل هؤلاء أوضح المواقف الأمريكية على الإطلاق:
فقد نقلت وكالة « رويترز – 25/7/2013» البريطانية للأنباء عن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية الجنرال، مارتن ديمبسي، أنه أوصى بـ: « بتوخي الحذر فيما يخص التدخل العسكري في سوريا، معربا عن خشيته من أن يحوّل أي إجراء غير مدروس سوريا إلى دولة فاشلة تكون فيها المعاناة أسوأ في الواقع»، وبصريح العبارة فإن: « التدخل في سوريا سيكون عملا من أعمال الحرب قد يتكلف مليارات الدولارات».
في خضم الجولة الثانية من مؤتمر «جنيف2»، على موعد مع الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي مشترك بواشنطن (11/2/2014). وفيه أدلى أوباما بأخطر تصريح أمريكي منذ بدء الثورة السورية حين قال: « الوضع على الأرض في سوريا مريع»، مشيرا إلى أن: « الدولة تنهار، وهو ما يشكل خطرا على الأمن العالمي».
ومع ذلك، وعشية توجهه إلى السعودية، فقد أدلى الرئيس الأمريكي بتصريح لشبكة التلفزيون الأميركية « CBS – 29/3/2014 » في روما قطع فيه الطريق على كل أولئك الذين منّوا النفس أو تعبدوا الله في التدخل أمريكي المأمول منذ بدء الثورة معتقدين أن القوات الأمريكية أو الناتو جمعيات خيرية تلبي رغبات المحتاجين. وفي التصريح، الذي نقلته وكالة « فرانس برس» الفرنسية، دافع عن عدم تدخل أمريكا قائلا: « من غير الصحيح الاعتقاد بأن الولايات المتحدة كانت في موقف تستطيع فيه منع حصول ما يحدث الآن في سوريا عبر توجيه بضع ضربات محددة الأهداف»، وكان قاطعا في القول: ليس أن الأمر لا يستحق العناء، ولكن بعد عشر سنوات من الحرب فإن الولايات المتحدة لها حدود»!! .. حدود ( بل قيود) تفرضها الأزمة الرأسمالية الطاحنة التي تضرب العالم الرأسمالي برمته وفي مقدمته الولايات المتحدة، وعليه، والكلام لأوباما، فـ: « إن الجنود الأميركيين الذين يتناوبون على الخدمة وعائلاتهم، وتكاليف هذا الأمر، والقدرة على التواصل بشكل مستدام إلى حل قابل للحياة دون وجود التزام أميركي أكبر، ربما لعشر سنوات أخرى، هي أمور صعبة التنفيذ من جانب بلاده».
ثانيا: المصالحة مع النظام أو الحرب الأهلية!
في الوقت الذي أشغلت في الثورة السورية العالم بحثا عن مخرج يجنب النظام الدولي الانهيار أو الخروج من أزماته .. وفيما نتابع قراءة المشهد تجاه الثورة ووقائع التحضير للفتنة على المستوى الدولي، انفجرت الأحداث في أوكرانيا لتلتهم روسيا جزيرة القرم برمشة عين، ثم تهدد الشرق الأوكراني برمته، فضلا عن دول مجاورة كأستونيا. أما الأسوأ في الأزمة فهو ما بات يسمى بـ « السلام الهش» في أوروبا التي لم تشهد لحظة استقرار في حياتها تزيد عن الستين عاما الماضية. ويبدو أن قوى « الجبر» لم تعد قادرة على البقاء ضمن الصيغة التي رسمتها لنفسها وللعالم بعد الحربين العالميتين، وأن الآلام التي جرى ترحيلها إلينا خلال العقود الماضية تتلمس طريقها إلى الانبعاث ثانية في قلب أوروبا .. القارة الأمثل للأحقاد والضغائن والاستبداد والحروب العالمية.
فكيف سيكون حال « المركز» الذي يجتهد في البحث عن مخرج يجنب النظام الدولي الانهيار أو الخروج من أزماته إذا كان التفكك ونذر الحروب القومية والطائفية قد وصلت إلى عقر داره؟ لنرى ما حذر منه المتحدثون في الفعالية التي أقامها الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني بالكاتدرائية الفرنسية في برلين بمناسبة مرور مائة عام على الحرب العالمية الأولى التي دشنت عصر « الجبر» في العالم.
ففي 14/4/2014، اتهم وزير الاقتصاد الألماني ونائب نائب المستشارة الألمانية، زاغمار غابرييل، موسكو بـ: « إحياء شبح النزعة القومية التسلطية من سباته بسياستها الراهنة، مشيرا إلى أنها أثارت بذلك أزمة تتماثل مع العوامل التي أشعلت الحرب العالمية الأولى» .. ومحذرا من أن الأزمة الأوكرانية المستمرة تظهر أن: « السلام في أوروبا ليس من البديهيات»، وأن: « روسيا تبدو مستعدة لإرسال دبابتها لاجتياز الحدود الأوروبية». لذا فقد شدد الوزير في كلمته على: « أهمية عدم نسيان دروس الحربين العالميتين الأولى والثانية والاتعاظ بها».
أما رئيس الوزراء الفرنسي، غابرييل فالس، فاعترف بأن: « السلام الموجود في أوروبا ما زال هشا .. وإن العوامل التي أطلقت الرصاصة الأولى للحرب العالمية الأولى لم تختف من القارة الأوروبية بعد. ورأى رئيس البرلمان الأوروبي، مارتن شولتز، أن هذه الفعالية: « تذكّر بحرب مروعة شارك فيها 65 مليون إنسان قتل سدسهم، وبقصة لا ينبغي تكرارها للعنف والدماء وصور الموت التي ما زالت تثير الفزع بعد قرن من حدوثها». ولم يفته أن يحذر من: « انتشار التيارات الرافضة للوحدة الأوروبية وانتقال تصوراتها من الأطر السياسية إلى أعماق الطبقة المتوسطة في المجتمعات الأوروبية».
هل تتابع قيادات المعارضة فضلا عن قيادات الجهاد والقوى الإسلامية ما يجري حقا في العالم؟ وهل تدرك فعليا لحظة الانعطاف التي تعيشها البشرية ومدى هشاشة أوروبا والنظام الدولي؟ أم أنها لا تدرك إلا ما هو معروض عليها من خيارات بائسة ودموية كتلك التي تطرق أبواب أوروبا؟ وهل يمكن للنظام الدولي أن يقدم للثورة أكثر من حزمة دماء برسم السفك؟ لنتابع.
الخيارات المطروحة على المعارضة السورية هي بين اثنين لا ثالث لهما: « إما القبول باستمرار الأسد، ومن ورائه الطائفة وإيران، أو التعايش مع عشر سنوات أخرى من الحرب». هذا الخيار دافع عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال حديث لصحيفة « إسرائيلية» تصدرها حركة « حباد» اليهودية (هَموديّاع – 14/6/2013) دعا فيه « إسرائيل» إلى: « عدم القلق من بقاء نظام بشار الأسد»، مشيرا إلى أن البديل لهذا النظام هو: « الفوضى التي ستسود في المنطقة وهذا أمر ليس جيدا لإسرائيل ولا للعالم». كما دافع عنه وزير الاستخبارات والشؤون الإستراتيجية « الإسرائيلي»، يوفال شتاينتز، في مقابلة مع صحيفة بريطانية في 26/7/2013 حين قال بأن: « هناك احتمال واقعي بأن يستمر الأسد في منصبه وتصبح سوريا في الواقع تابعة تماماً لإيران وجزء من محور شيعي يضم إيران والعراق وسوريا ولبنان».
ذات الأطروحة دافعت عنها صحيفة « الاندبندنت – 6/12/2013» البريطانية حين قالت أنه: مع « القوة المتنامية لتنظيم القاعدة في البلاد، من ناحية الاستقرار الإقليمي، أصبح الأسد أهون الشرين تقريبا». ولحقت بها صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 6/1/2014» الأمريكية حين: « تساءلت عن إمكانية استمرار نظام الأسد في السلطة، وسط خشية الغرب من سيطرة من يسميهم المتطرفين الإسلاميين على سوريا أكثر من خشيته من بقاء الأسد في سدة الحكم». وفي السياق ذكّرت بما كتبه السفير الأميركي السابق لدى سوريا، والخبير في شؤون الشرق الأوسط، ريان كروكر، في صحيفة « نيويورك تايمز»، وقال فيه: « إن الأسد يبقى أقل الخيارين سوء».
هذه الأطروحات استفزت وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلوا، الذي رد عليها في مقابلة تلفزيونية نشرتها وكالة أنباء الأناضول في 10/1/2014 بالقول أن: « بعض الدوائر تبرز تهديدات القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام حتى تروج لمفهوم أن نظام الأسد أقل الشرين». ولعل أطرف ما في تصريح أوغلو أنه يذكر بلعبة العصا والجزرة التي سبق وأن لعبها الأمريكيون في العراق مع السنة حين كانوا يعدون لمشروع « الصحوات» تمهيدا لضرب المشروع الجهادي. وكما يقال في المثل لا تقص الأثر والذئب أمامك. فلنتابع ما يقوله أحد مسؤولي الائتلاف بنفسه دون الدخول في التحليلات والاستقراءات.
ففي خضم التحضير لانطلاق « جنيف2»، وتَمَنُّع بعض المعارضة عن المشاركة، نسبت كل من صحيفة « الغارديان» ومحطة الـ « BBC » البريطانيتان إلى مسؤول في الائتلاف السوري المعارض قوله في 14/1/2014 أن: « الولايات المتحدة وبريطانيا طلبتا منا الذهاب إلى جنيف، وأوضحتا بأنهما لن تستمرا في تقديم الدعم لنا كما تفعلان الآن، وأننا سنفقد مصداقيتنا مع المجتمع الدولي إذا لم نشارك في المؤتمر». مضيفا أن: البديل الوحيد المتبقي في سوريا سيكون حكومة الأسد أو المتطرفين من دون المعارضة المعتدلة». لكن أطرف ما ورد على لسان هذا المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه، بحسب المَصدَريْن، حين تساءل كما تساءل بعض السنة العراقيين عشية إطلاق مشروع الصحوات: « مع من ستتعامل الولايات المتحدة وبريطانيا إذا لم تتعاملا معنا، مع نظام وحشي استخدم الأسلحة الكيميائية أم مع تنظيم القاعدة؟ ».
لذا لم يكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف يهذي حين قال في 19/11/2013 بصريح العبارة أن: « الأولوية الحالية في سوريا هي لمحاربة الإرهاب وليس لتنحية الرئيس»، ولم يكن يتخبط حين أكد لقناة روسيا اليوم - 24/12/2013،: إن تحقيق الاستقرار في سوريا مهمة ذات أولوية»، وأن: « الحديث عن الشخصيات ونظام الانتخابات في سوريا جديدة له أهمية ثانوية». ولم يكن يضغط عليه أحد حين أكد في 17/1/2014 أن مؤتمر « جنيف2» لا بد وأن يعقد « في كل الأحوال» باعتباره « المخرج الوحيد للأزمة».
هكذا انطلق مؤتمر «جنيف2 - 21/1/2014» وفق الأهداف الدولية وليس وفقا لأهداف الثورة التي تتضمن بحسب رئيس الأركان، سليم إدريس، ومنذ 19/11/2013،: « رحيل الأسد وقادة أجهزته الأمنية والعسكرية» .. وهو ما سبق وعبر عنه المتحدث باسم الائتلاف، وليد البني، في 1/12/2012 في ختام أول اجتماع للائتلاف بعد الإعلان عن تشكيله في العاصمة القطرية – الدوحة حين قال: « إن الائتلاف مستعد للنظر في أي اقتراح إذا رحل الأسد وحلفاؤه بمن فيهم كبار الضباط في الجيش وأجهزة الأمن»، ... قاااااااادة وليس تفكيك الأجهزة الأمنية الطائفية!!! أما الأهداف فهي:
لكن ما جرى في سوريا ويجري من تدمير واسع النطاق، وقتل بالغ الوحشية، بلا أية حسابات أو روادع، وانتهاكات تفوق القدرة على التصور والاحتمال، وأضرار شنيعة طالت كل عائلة، واستنزاف في الكرامة لا حدود له، يصعب معه على أي مراقب موضوعيا تَصوُّر أية إمكانية للمصالحة مع نظام طائفي استحوذ على إرث دموي رهيب فضلا عن استحواذه على كل مفاصل الدولة والمجتمع وحتى ممتلكات الفرد النفسية والقيمية والأخلاقية والعقدية.
زيادة على ذلك فالثورة السلمية في سوريا، على العكس تماما من التكون التاريخي للثورات المسلحة التي كانت تنطلق عادة من النخبة، ضد الاستعمار أو النظم الاستبدادية، وتتسع باتجاه عموم الشعب ، تحولت إلى ثورة مسلحة من القاعدة باتجاه القمة دون أن يكون لها أية أطر تنظيمية على أي مستوى كانْ سواء سياسيا أو عسكريا أو أمنيا أو جماهيريا أو عقدي أو حتى أيديولوجي. وهو وضع جعلها ثورة بلا تنظيم ولا رأس ولا قيادة بحيث يمكن تنظيم فعالياتها وتوجيهها في اتجاهات منتجة[1]. بمعنى أن كل مجموعة ناشطة سلميا انتهت إلى حمل السلاح. فإذا كانت ليبيا، ذات الستة ملايين نسمة، قد أفرزت نحو 1700 مليشيا مسلحة بحسب التقديرات الرسمية فكم ستفرز سوريا ذات الـ 24 مليون نسمة؟ لا شك أننا بصدد خمسة إلى سبعة آلاف مجموعة مسلحة. لكن بفعل عمليات الاندماج والاختفاء انتهى الرقم إلى نحو 1200 مجموعة مسلحة، بحسب تقديرات أمريكية، أوردها نائب مدير وكالة مخابرات الدفاع الأميركية، ديفيد شيد، في كلمة ألقاها في منتدى أسبين الأمني في كولورادو في 20/7/2013، مشيرا إلى أن الصراع في سوريا يمكن أن يستمر سنوات، هذا فضلا عن عشرات المجموعات العقدية.
فإذا كان هناك ثمة حل سياسي ممكن التنفيذ فإن الاعتقاد بأن وقف إطلاق النار يمكن أن يُشْغِل السوريين بأنفسهم بما يكفي من الوقت لتمرير الحل السياسي هو اعتقاد خاطئ. فما أن يشرع السوريون بتفقد ما حل بهم خلال عشرات السنين من استنزاف وخسائر مادية ومعنوية لا تنمحي سيصابون بصدمة يصعب، إنْ لم يكن من المستحيل السيطرة عليها. فكيف يمكن والحالة هذه الدخول في تسوية سياسية دون تأمين الساحة عسكريا وأمنيا وعقديا؟
لم يكن « المركز» بغافل عن مثل هذه الحقائق خاصة وأنه عانى من الحروب الطاحنة ما لم يعانيه أحد من قبل. وحتى السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، سامنتا بور، التي رأت أن: « الشرق الأوسط يعج بالفوضى والاضطرابات والأزمات إلى درجة يصعب معها تحديد أيها الأسوأ»، تجاوزت في وصفها للحالة السورية كل ما سبقها من توصيفات حتى تاريخه. وفي 4/2/2014 نقلت عنها صحيفة الـ « واشنطن تايمز» في افتتاحيتها القول بأن: « الحرب المستعرة في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات أسوأ كارثة إنسانية في التاريخ»، وليس في القرن21 فحسب.
لكن « المركز» يربط الحرب الأهلية، من جهة، بالخشية من خروجها من الحدود وتهديدها للأمن وللنظام الدولي، ومن جهة أخرى بالاقتتال فيما بين القوى المسلحة، ما بعد سقوط النظام، على خلفية الاختلافات العقدية فيما بينها. وفي السياق يمكن التذكير بتصريحات رئيس أركان الجيش البريطاني، الجنرال ديفيد ريتشاردز. ففي حديث تلفزيوني له نقلت صحيفة « إندبندنت – 11/11/2012» عنه القول: « إنّه تجري دراسة خطط طوارئ باستمرار نظرا لاستمرار الحرب الأهلية في سوريا»، مشيرا إلى أن: « همّ بريطانيا الأول هو تجنب انتقال الحرب الأهلية في سوريا إلى ما وراء الحدود في الأردن ولبنان وتحديدا إلى تركيا». وهي ذات المخاوف التي عبر عنها الرجل الثاني في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل موريل في حديث لصحيفة « وول ستريت جورنال – 11/11/2012» حين اعتبر: « أن الحرب الأهلية في سوريا وتفاقمها أكبر تهديد على أمن الولايات المتحدة». وأنها: « على الأرجح أكبر مشكلة في العالم اليوم بسبب المنحى الذي تأخذه الحرب ... فالخطر هو أن يتجاوز النزاع حدود سوريا».
وفي 14/4/2013 تحدثت الـ « واشنطن بوست» في افتتاحيتها عن مسؤولين كبار في إدارة الرئيس الأميركي، عرضوا خلال جلسات استماع أمام الكونغرس في 12/4/2013 لـ: « صورة قاتمة ومرعبة لتطورات الأوضاع في الساحة السورية». مشيرة إلى أن: « التقارير الأمنية الأميركية تشي بأن الصراع في سوريا لن ينتهي حتى بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، موضحة أنه ثمة صراع خفي بين المتطرفين والمعتدلين في أوساط المعارضة السورية». وهو ما أشار إليه الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، باك سيكستون، في مقالة كتبها في صحيفة « واشنطن تايمز - 27/4/2013»، وقال فيها: إن الحرب الأهلية الراهنة في سوريا ... يلتقي فيها في الكراهية ضد الأسد شرائح واسعة تبدأ من المتمردين العلمانيين المؤيدين للديمقراطية إلى المتشددين الإسلاميين، ولكن عندما ينهزم الطاغية العلوي، فإن الحرب الأهلية الثانية في سوريا ستكون من جانب الجهاديين وضد الجميع».
هذا التقييم ليس بعيدا، بطبيعة الحال، عن تقييم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، الذي نقلت عنه شبكة « CNN – 8/7/2013 الأميركية، قوله: « أن أميركا تواجه معضلة سوريا في وقت تقوم فيه واشنطن بتقييم مدى العمق الذي تريد التدخل فيه في هذا البلد، فقد: « جرى اختطاف النزاع السوري عند مستويات معينة» ... وفي: « في حال عدم إدراك أن هذا النزاع قد تحول إلى قضية إقليمية وأنها تحتاج إلى حوالي عشر سنوات فقد نرتكب بعض الأخطاء»، وعليه فإن: « الحرب في سوريا ليست مسألة بسيطة تتعلق بوقف القتال عبر تقديم أية قدرات أميركية»، بل أيضا: « بضرورة الفهم كيف سيكون السلام قبل البدء بالحرب».
ومن جهتها ذهبت صحيفة « إندبندنت – 6/12/2013» في افتتاحيتها في ذات الاتجاه حين رأت أن: « أشد الأمور شؤما، سواء بقي الأسد أم ذهب، هو أنه في حال نجاح مؤتمر جنيف فإنه قد يمثل فقط نهاية حرب لتبدأ أخرى، حيث يتحد النظام مع المعارضة المعتدلة ضد القاعدة». وبالتالي فإن: « نهاية المعاناة تظل أملا بعيد المنال لبلد منقسم وشعب مدمر. وبحسب الـ « واشنطن بوست – 24/10/2013 فإن: « الحرب الأشرس منذ فيتنام قد تستمر حتى سنة 2020». وقالت الصحيفة في تعليق للكاتب الأميركي، ماكس فيشر، إن: « العلوم السياسية تقول إن الحرب الأهلية المستعرة في سوريا منذ أكثر من عامين قد تستمر لعشر سنوات قادمة على أقل تقدير»، وأن: « الدراسات السياسية المعنية بالحروب الأهلية منذ 1945 تشير إلى أن معدل هذه الحروب يكون عادة ما بين سبع و12 سنة، مما يعني احتمال انتهاء الحرب الأهلية في سوريا ما بين 2018 و2023».
لذا، وبحسب الكاتب ديفيد غارتنشتاين روس (7/3/2014) وآخرين، فقد بات الأمر أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي واضحا: « إن سقوط الأسد لم يعد حتميا كما كان يعتقد الكثير من المحللين قبل عام .. والسيناريو الأكثر احتمالا هو الذي تتوقعه الاستخبارات الأميركية حاليا: الحرب سوف تستمر عشر سنوات إضافية، وحتى أكثر من ذلك». ولا ريب أن الخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ماثيو ليفيت، كان محقا حين رأى بأنه: « في الوقت الذي يمكن أن تكون فيه الحرب قابلة للتفاوض فإن الطائفية ليست كذلك، وهي بالتأكيد سوف تخلق شروط عدم الاستقرار خلال السنوات العشر المقبلة». وعليه فلا قيمة تذكر لتصريحات نائب وزير الخارجية، وليام بيرنز، الذي نفى تفضيل بلاده لبقاء الأسد في السلطة.
أما حديث وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، للصحفيين في 24/1/2014 فلم يخف فيه القول أن: « الصراع في سوريا فيه ملامح حرب أهلية»، لكنه كان صريحا في القول أن: « هناك خصوما خطرين ومدافعين شرسين عن النظام يقاتلون بعضهم».
ثالثا: التحضير لضرب الثورة
لو أن « المركز» الرأسمالي، الذي تضربه أزمة اقتصادية أعجزته عن التدخل لوقف الحرب الأهلية، وخشية منه على النظام الدولي من الانهيار، اضطر إلى فرض حل سياسي في سوريا فلا يمكن أن يمر مثل هذا الحل، بحسب المصادر الغربية ذاتها، إلا بتحقيق شرطين: (1) ضرب الثورة السورية من الداخل ثم العمل على نزع سلاح كافة المجموعات المسلحة فيها لاسيما القوى الجهادية وأولئك المقاتلون والذين لا يمكن أن يسمحوا لأية قوات دولية أن تطأ أرض سوريا وهم مدججون بالأسلحة المشحونة عقديا والفتاكة ميدانيا، ومن ثم (2) وضع سوريا تحت الوصاية الدولية المسلحة عبر تأمين قوة دولية ضاربة تبدأ بحسب وثيقة الدفاع البريطانية بـ 300 ألف جندي[2]. ويمكن أن يتم الأمر بسلاسة عبر الدفع 3000 - 5000 آلاف جندي على أن يرتفع العدد تباعا. لذا؛ فما ينبغي أن تعقله قوى الثورة كافة أن المستهدف هو كل الثورة .. وكل الثوار .. وكل الجماعات الإسلامية والوطنية .. وليس جماعة بعينها أو تيارا ليس وضعه في المقدمة إلا لأنه بمثابة الثور الأبيض.
خلال جلسة عقدها عقد الكونغرس الأمريكي في 5/3/2013، تلقى رئيس القيادة المركزية للجيش الأميركي، الجنرال جيمس ماتيس، سؤالا وجهه السيناتور، جاك ريد، يقول فيه: « هل ستخطط الولايات المتحدة لاحتمال انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد؟ » فأجاب « الجنرال» بالقول حرفيا: « إن تخطيطا هادئا يجري مع جيوش في المنطقة لاحتمال القيام بعمليات استقرار إذا اقتضت الحاجة بعد انهيار نظام الأسد». لكن ألا توحي « عمليات الاستقرار» هذه بأن لـ « المركز»، وخاصة الأمريكيين، من البدائل الأخرى ما يعفيهم من القيام بالمهمة وحصرها فقط في حدود « إذا اقتضت الحاجة»!!؟ لنرى.
يتحدث عجوز الصحافة الأمريكية، والمطلع عن قرب على السياسة الأمريكية، ديفيد إغناتيوس، عن براغماتية أمريكية تجاه الوضع في سوريا. فقد كتب في الـ « واشنطن بوست – 28/3/2013» يقول: « لو تدخلت أميركا تدخلا عسكريا مباشرا فإن ذلك كان سيتطلب تكريس كل الفترة الرئاسية الثانية لأوباما لسوريا وحدها، وربما لن ينجح في عقد مصالحة بين طوائف البلاد المختلفة». لذا فقد: « انتهج أوباما نهجا براغماتيا تجاه سوريا بإعطاء الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) الدور الرئيسي بمساندة وزارتي الخارجية والدفاع»، وعليه فإن: « الدور الأميركي سيركز على تدريب المعارضة المسلحة والمساعدة في إقامة هياكل الحكم بالمناطق التي تتحرر من إدارة نظام الأسد وأولويات أخرى، وبذل مجهود كبير للتنسيق مع القوى الإقليمية ذات الأجندة المتعارضة الأمر الذي هدد بتمزيق المعارضة خلال الأيام الماضية».
جاءت أول تباشير البراغماتية الأمريكية على لسان رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، الجنرال سليم إدريس، في 23/4/2013 حين أعلن في مقابلة مع صحيفة بريطانية أنه: « يخطط لإنشاء جيش أكثر اعتدالا وقوة من جبهة النصرة ليكون بديلا عن الحركة المسلحة المتهمة بارتباطها بـتنظيم القاعدة، وقوة لحماية حقوق النفط الخاضعة لسيطرة الجماعات المتطرفة». وأنه: « يريد تجميع قوة قوامها ثلاثون ألف عنصر من المنشقين عن الجيش السوري لتأمين حقوق النفط وصوامع الحبوب ومخزونات القطن، فضلا عن نقاط العبور على الحدود التركية والعراقية».
أما رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض، أحمد الجربا، فلم يقل شيئا عن: « حقوق النفط وصوامع الحبوب ومخزونات القطن، فضلا عن نقاط العبور على الحدود التركية والعراقية». بل تحدث خلال مقابلة له مع موقع شبكة « سي أن أن بالعربية – 9/8/2013» في الأردن عن: « مبادرة قريبة لتأسيس نواة لجيش سوري وطني في شمال وجنوب سوريا كمرحلة أولى»، وأنه: « سيفتح باب التطوع فيه»، ولأنه تلقى سيلا جارفا من الاتهامات بالسعي إلى تشكيل جيش من الصحوات سارع إلى تدارك ما فاته من تبريرات في 13/8/2013 ليأتي التبرير كالعذر الأقبح من ذنب: « إن دخول عناصر من حزب الله إلى سوريا بأسلحة نوعية تستدعي تشكيل جيش وطني سوري. وأن: « هذا الجيش ضروري للحفاظ على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، ولامتصاص ردود الفعل فإن الجربا: « سيحرص على ضم جميع أبناء الثورة السورية». لذا: من الضروري أن يبدأ تشكيل هذا الجيش بأسرع وقت». وكأن أشباح المريخ هي من حررت ثلثي سوريا وقاتلت النظام وميليشيات الشيعة والمرتزقة طوال السنتين الماضيتين!
وفيما يتعلق بإدريس فلم يطل به الوقت كثيرا حتى حصل على ترقية أمريكية برتبة « معتدل» و « غير طائفي» و « معارض لجبهة النصرة»، عبر مقالة جديدة نشرها إغناتيوس في الـ « واشنطن بوست- 2/5/2013، وأعرب فيها عن مدى الثقة التي يحظى بها الجنرال: « إن إدارة أوباما تعوّل كثيرا على اللواء سليم إدريس رئيس هيئة الأركان العامة للثورة السورية من أجل بناء جيش منظم للمعارضة يستطيع هزيمة نظام الأسد وصد المتطرفين والمساعدة في بناء سوريا جديدة مستقرة». إنه بحسب مسؤول أميركي، والكلام للكاتب،: « يقول ويفعل ما هو صحيح. نعتقد أنه صادق». بل أن الكاتب نفسه شهد على إدريس بالقول: « أبلغني بنفسه أنه أمر جنوده بوقف أي تعاون مع جبهة النصرة». وأضاف بأنه: « أعلن استعداده للتفاوض مع قادة الجيش الحكومي السوري الذين لم يأمروا بقتل المدنيين حول انتقال سياسي للبلاد»، كما أنه: « مستعد للقاء المسؤولين الروس لطمأنتهم حول الحفاظ على مصالح بلادهم في المستقبل».
كانت تصريحات سليم إدريس التي: « أعلن فيها الحرب على الجماعات الإسلامية المسلحة المرتبطة بالقاعدة في سوريا واستعداد مقاتلي المعارضة للقتال إلى جانب القوات الحكومية لطرد القاعدة» مادة دسمة للصحف البريطانية الصادرة صبيحة يوم 4/12/2013. فقد قالت صحيفة « الاندبندنت» في تقرير لها بعنوان: « ثوار سوريون يدرسون الانضمام إلى قوات النظام لقتال القاعدة» أن: « شبح حرب أهلية ثانية بدأ يلوح في سوريا بعد إعلان .. اللواء إدريس .. استعداده لتوحيد جهوده مع قوات النظام في المستقبل لطرد المتطرفين المرتبطين بتنظيم القاعدة»، كما نسبت إليه القول: « أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام الذي يضم في صفوفه آلاف المقاتلين الأجانب يشكل خطرا كبيرا على مستقبل سوريا، ويجب مواجهته قبل أن يصبح أكثر قوة». وفي نفس الوقت نقلت الصحيفة عن مسؤول استخباري غربي وصفته بـ « البارز» تأكيده على: « ضرورة الحفاظ على قوات النظام السوري لخوض المعارك المقبلة ضد الإسلاميين، والحاجة إلى تجنب الأخطاء التي ارتكبت في العراق وليبيا بحل الجيش والشرطة بعد سقوط صدام حسين ومعمر القذافي». وأضاف ذات المسؤول أن: « المحادثات المزمعة بين النظام والثوار في جنيف يمكن أن تكون البداية لتشكيل جبهة مناهضة للقاعدة في سوريا، بالإضافة إلى تسوية تفاوضية لإنهاء الصراع». ومن جهتها عقبت صحيفة « التايمز» على تصريحات إدريس في تقرير مشابه بعنوان: « متمردون سوريون يعرضون انضمام قواتهم إلى جانب الجيش لهزيمة القاعدة». ونقلت عنه القول: « إن ثلاثة اتجاهات تتصارع في أرض المعركة في سوريا، هي النظام و الثوار والجماعات المتشددة التي يتأكد باطراد ارتباطها بالقاعدة».
سليم إدريس، الذي لم ينكر ذات الكلام الذي سبق وأورده ديفيد إغناتيوس في صحيفة الـ « واشنطن بوست - 2/12/2013»، أنكر ما ورد في تقرير صحيفة « الاندبندنت - 4/12/2013». إلا أن إنكاره جاء أقرب إلى الاعتراف منه إلى النفي أو الإنكار وهو يقول: « سيكون بعد سقوط نظام الأسد جيش موحد قوامه الثوار، ويقاتل أي جهة تعتدي على الشعب»، وأنه: « سيكون من واجب هذا الجيش أن يواجه أي طرف يحاول فرض رأيه على الشعب». أما هوية الجيش المنشود فترجع بحسب تصريحات لميشيل كيلو في باريس بتاريخ 16/7/2013 إلى الجيش الحر الذي: « يتعين إعادة تنظيمه وهيكلته بقيادة حقيقية وانضباط, وأشار إلى رغبة الائتلاف في إنشاء مجلس تنفيذي من عشرة أعضاء يتولى إعادة التنظيم .. و إدماج الضباط السابقين الموجودين حاليا في الأردن وتركيا في الجيش الذي يعتزم الائتلاف الوطني بناءه».
لم تتوقف التصريحات حول التحضير الصريح لما وصفته الصحف الغربية والمسؤولين الأمنيين بـ « الحرب الأهلية الثانية» عن التدفق حتى بعد انطلاق الرصاصة الأولى. ففي 20/6/2013 علق ديفيد إغناتيوس في الـ واشنطن بوست على توالي الأنباء عن نية الولايات المتحدة تسليح المعارضة المعتدلة بقيادة سليم إدريس قائلا: إن « التبرير المعلن من قبل أوباما لتسليح المعارضة هو استخدام الأسد أسلحة كيمياوية، لكن السبب الحقيقي هو التطورات الجديدة في الصراع بسوريا والمنطقة». وكرر القول: « إن أوباما لا يريد للمعارضة اجتياح دمشق إذا ظل الجهاديون هم الأقوى». وهو ما خلص إليه أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون، روس هاريسون، في 27/7/2013 بالقول: « إن جزء من الدافع الأميركي لإعطاء السلاح للمعارضة السورية ليس فقط محاربة نظام الأسد، ولكن أيضاً لصد الجماعات المتطرفة التي تتفوق على نظيراتها المعتدلة الضعيفة»، أما الجزء الآخر من الدافع فقد عبر عنه السفير الأميركي، ديفد نيوتن، حين أشار إلى أن: « القلق الأميركي الرئيسي يتمثل في ضمان سلامة الأردن التي تعد حليفاً وثيقاً لواشنطن، وإنها الأكثر عرضة للخطر من غيرها جراء تصاعد الأزمة السورية».
في 22/6/2013 نشرت صحيفة « لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية تقريرا رفض البيت الأبيض تأكيد صحة المعلومات الواردة، يكشف عن: « قيام وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) والجيش الأميركي بمساعدة عناصر من فرنسا والأردن بتدريب المعارضة السورية سرا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على استخدام أسلحة مضادة للدبابات والطائرات»، وأن المتدربين هم: « من الجيش السوري الحر، وأن أماكن التدريب: « تقع في الصحراء بجنوب غرب الأردن بالإضافة إلى تركيا»، وأن التدريبات بدأت: « قبل موافقة أوباما على تسليح المعارضة». ولم يمض وقت طويل حتى نقلت صحيفة « نيويورك تايمز – 3/9/2013» عن مسؤولين أمريكيين قولهم: « أن الرئيس باراك أوباما كشف في 2/9/2013 عن أن جهدا سريا تقوم به الولايات المتحدة لتسليح وتدريب المقاتلين السوريين بدأ يؤتي ثماره». وأضاف المسؤولين أن: الرئيس الأمريكي: « قال خلال اجتماع دام ساعة في البيت الأبيض مع عضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين جون ماكين وليندسي غراهام بأن أول خلية من 50 مقاتلا، تلقوا تدريبات من الاستخبارات الأمريكية، بدؤوا التسلل إلى سورية».
كان الهجوم الكيماوي على الغوطة في 21/8/2013 بمثابة اللحظة الفارقة في الكشف عن برامج التدريب السرية التي ترعاها وكالة المخابرات الأمريكية، فضلا عن النية في توسيعها لاحقا. فقد كشفت شبكة « CNN – 19/9/2013» النقاب عن اقتراح قدمته وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) لتدريب قوات المعارضة السورية وتجهيزها. ونقلت الشبكة عن مسؤولَيْن في الإدارة الأمريكية قولهما أنه: « في حال المصادقة على الاقتراح، فإن ذلك سيعزز من دور القوات الأميركية ويجعل الجنود الأميركيين لأول مرة على تماس مباشر مع المعارضة السورية» .. وأن الاقتراح: « ينطوي على تدريب جنود أميركيين لمقاتلين من المعارضة السورية على الأسلحة الصغيرة والقيادة العسكرية والسيطرة والأساليب العسكرية .. وقد يكون في بلد بالقرب من سوريا».
لكن الجهود الأمريكية اللازمة لإدارة صراع طويل المدى لم تكن تقتصر فقط على تسليح محدود للمعارضة « المعتدلة» بما يكفي لضرب القوى الجهادية ولا للانتصار على النظام أو لمنع ارتدادات الثورة باتجاه الخارج بل أيضا في التوسع في برامج التدريب لتشمل تأهيل بدائل اجتماعية محلية لمحاصرة قوى الثورة من كل جانب. فالمسؤولون الأميركيون، بحسب الـ « واشنطن بوست – 12/9/2013»: « يستغلون توزيع المساعدات لخلق قيادات وزعامات معتدلة موالية لها في القرى والمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة». ويقول مارك وارد، الذي عمل في ليبيا وباكستان وأفغانستان،: « أعتقد أننا تمكنا من وضع المجالس المحلية على بداية الطريق .. ندقق في الأشخاص الذين يتلقون مساعداتنا لنضمن أنهم ليسوا على اتصال بتنظيمات إرهابية».
وتنقل الصحيفة عن مسؤول أميركي آخر لم تحدد اسمه القول: « إن عملية تشكيل قيادات معتدلة بالمعارضة السورية خصصت لها ميزانية تقدر بـ250 مليون دولار، منها 26.6 مليونا قدمت مساعدة للمجلس العسكري الأعلى». أما مدير العلاقات الحكومية بالمجلس الأميركي السوري الداعم للمعارضة السورية، محمد غانم، فيرى أن: « الدعم الأميركي الذي بدأ يصل خطوة بالاتجاه الصحيح، بعد سنوات من عدم الفعل والسياسات الخاطئة». لكن: « أثر المساعدات الأميركية يبقى محدودا بسبب الوسطاء الكثر الذين تستخدمهم واشنطن في تسليم مساعداتها، إذ يعتمد منسقو المساعدات على متعاقدين ومتعاقدين بالباطن لتسليم هذه المساعدات».
ومن جهتها أكدت صحيفة الـ « واشنطن بوست – 3/10/2013» إن: « (CIA) بدأت (فعلا) في توسيع نطاق جهودها السرية لتدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين»، وذلك وسط مخاوف من: « فقدان هذه الفصائل المسلحة التي تتلقى دعما أميركيا السيطرة على مناطق في الحرب الأهلية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين». ونقلت عن مسؤولين في الوكالة قولهم: « إن برنامج التدريب ضئيل وقد لا يسفر سوى عن بضع مئات من المقاتلين المدربين في كل شهر حتى بعد توسعته»، و: « ربما لا يفعل شيئا يذكر لتعزيز قوة المتمردين المعتدلين ... وسط الغلبة التي تميل لصالح المتطرفين الذين يقاتلون أيضا النظام». وأشارت الصحيفة إلى أن: « (CIA) دربت ألف مقاتل معتدل هذا العام»، وأن: « عدد المتدربين بلغ أكثر من 20 ألفا بشكل عام».
توقفت « الجزيرة نت – 5/10/2013» عند هذه « التسريبات» عبر تقرير كتبه محمد النجار، ونقل فيه المزيد منها، مشيرا إلى أن: « واشنطن وسعت من جهودها السرية لتدريب المعارضة السورية، وأرسلت فرقا إضافية لمواقعَ سرية بالأردن لمضاعفة عدد المتدربين»، وأن: « برنامجا تشرف عليه الاستخبارات الأميركية (CIA) سيظل محدودا وصغيرا حتى بعد توسيعه لينتج عنه تدريب بضع مئات من المقاتلين كل شهر فقط». لكنه لاحظ أن الأمريكيين يركزون على جنوب سوريا وليس على شمالها « حيث الغلبة الواضحة للفصائل الإسلامية» بشهادة بشار الزعبي القائد العام للواء اليرموك الذي أكد لـ الجزيرة نت»، عبر الهاتف، وجود هذا البرنامج»!! قائلا: « فكرة التدريب عن طريق الاستخبارات الأميركية طرحت من قبل، ولكن للآن لم يجر أي شيء على الأرض .. بالنسبة لنا لم نبعث أحدا للتدريب ضمن هذا البرنامج، ونعتقد أن إعادة طرحه الآن من باب التصعيد ضد النظام فقط».
أما مدير مركز حلب الإعلامي، يوسف صديق، فقال: « إن ما نشر حول تدريبات تجريها الاستخبارات الأميركية يبدو أقرب للدعاية الإعلامية منه للواقع»، و: « المشكلة أننا دائما نسمع عن برامج سرية تنشر وسائل الإعلام كافة تفاصيلها»، مشيرا إلى أن واشنطن: « تتعامل مع المعارضة السورية باستخفاف وبدون أدنى جدية وغير مقتنعة حتى الآن بجدوى انتقال الحكم للمعارضة وإسقاط نظام بشار الأسد». وفيما يتعلق بالجهد الأمريكي في الجنوب أوضح: « أن واشنطن بإمكانها دعم أطراف معينة بسوريا كما فعلت بأفغانستان لكنها اليوم لا ترى أن هناك فصائل معتدلة وأخرى غير معتدلة وخاصة بالشمال السوري»، حيث: « لن تجد على الإطلاق كتائب علمانية بشمال سوريا»، بل أن: « جميع من يملكون القوة والنفوذ والقدرة على مواجهة النظام السوري جلهم من الفصائل الإسلامية من أقصى اليمين التي تحمل النموذج الأفغاني، إلى أقصى اليسار التي تريد تطبيق النموذج التركي على أقل تقدير». لكنه لا يخفي الظن من أن: « تنامي قوة الفصائل الإسلامية وخاصة المتشددة منها قد يؤدي لظهور فصائل تقبل بالدعم الأميركي».
ورغم إقرار الزعبي بصحة وجود البرنامج، إلا أنه، بحسبه، ليس: « موجها ضد الفصائل الإسلامية». لكن في خضم الحديث عنه كان الجربا في زيارة سرية إلى الأردن وكان الزعبي نفسه في 28/2/2014 متواجدا في العاصمة – عمان.
قبيل بضعة أسابيع قليلة من اندلاع الاقتتال فيما بين القوى الجهادية نقلت مجلة « العصر – 6/12/2013» الإلكترونية عن الموقع الأمني الإسرائيلي الشهير باسم « ديبكا ويكلي» تقريرا جاء فيه أن: « مكتب التوجيه في البيت الأبيض أنشأ غرفتي حرب في اربد، شمال الأردن، للمضي قدما في تنفيذ خطة سيطرة القوات المحسوبة على الثورة، والمدربة أمريكيا، على منطقة جنوب شرق سوريا، المحاطة بالحدود الأردنية - اللبنانية - الإسرائيلية والعراقية»، وأن: « غرفتا الحرب تخضعان لقيادة الأميرال وليام مكرافن، رئيس قيادة العمليات الخاصة، التي يقع مقرها الرئيس في قاعدة ماكديل الجوية في مدينة تامبا بولاية فلوريدا»، ومهمته: « تنسيق عمل غرفتي الحرب، ومنع الاشتباك والتداخل مع بعضها البعض». وبحسب التقرير فإن:
أما مهمة الجنرال الأمريكي الخفي، « الذي عين مشرفا على الغرفتين»، فإن وظيفته: « (1) أن يدير خطط الحرب، بدعم من فريق من الضباط الأمريكيين، و (2) تنفيذ مهمات 12 ألف من القوات الخاصة الأمريكية وقوات سلاح الجو نُشرت في المملكة الأردنية». وبحسب التقرير أيضا فإن المهمة « الأساسية» لهذه القوات هي: « تشغيل الوحدات المكلفة بالسيطرة على منطقة تبلغ مساحتها ما يقرب من واحد على عشرة من الأراضي السورية»، وأنهم: « سيقاتلون لمنع جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) من الوصول إلى المناطق الحدودية السورية مع الأردن وإسرائيل ولبنان أو الاقتراب من دمشق». في حين أن: « الجزء الأساس من خطة واشنطن هو الدفاع عن الحكومة المركزية في العاصمة السورية، بما في ذلك بشار الأسد ضد زحف الكتائب التابعة للقاعدة من الشرق»، و: « قطع الطريق على مقاتلي القاعدة للوصول إلى المملكة العربية السعودية عبر الأردن، ومنع ارتباطهم في الأردن بالقاعدة في جزيرة العرب ومقرها اليمن ...، وكذا منع اختراقهم لسيناء».
وبعد سيطرة « الجبهة الإسلامية السورية» على مخازن سلاح جمال معروف التابعة لهيئة الأركان في الجيش الحر في معبر باب الهوى على الحدود التركية قامت الولايات المتحدة بتعليق إرسال المساعدات غير القاتلة، مثل وسائل الاتصالات اللاسلكية والآليات، إلى الجيش السوري الحر في الشمال. وفي 15/12/2013 علق وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، على قرب استئنافها في تصريح لشبكة CNN قائلا: « لا أحد يرغب بتفاقم الحرب السورية»، لاسيما وأن البلد: « غارق في بازار من المواجهات الدينية مع كل أنواع التدخلات»، لكن ما من سبيل إلا: « توخي الحذر وضمان أنه عند استئناف المساعدة أن تصل لأيدي أمينة». أما محتوى الضمانات التي يتحدث عنها كيري فتتعلق، « بحسب الباحث في مجال دراسات الدفاع والأمن الداخلي في معهد كيتو، بنجامين فريدمان»، بوجود: « رقابة تحدث على أرض الواقع وربما اتفاقات مع قادة المعارضة»، ويوافقه في ذلك أستاذ السياسة الخارجية في الجامعة الأميركية بواشنطن، جون كالابريسي، الذي « رجح» وجود: « مصادر استخباراتية على الأرض تتأكد من ضمان نجاح العملية»، وربما أكثر من ذل كـ: « استخدام للتقنية المتطورة كزرع شرائح تعمل بالكمبيوتر في بعض الأسلحة يمكن استخدامها فيما بعد لو لزم الأمر».
قبل أن ينفجر الاقتتال فيما بين الجماعات الإسلامية كانت فضائح الكشف عن مخازن السلاح في أنطاكيا قد أزكمت الأنوف. لكن الحاجة إلى جماعات الأيدي الأمينة غدا مسألة ملحة لا بد منها، خاصة وأن: « تهديد القاعدة في سوريا قد وصل إلى تلك النقطة التي من المرجح أن تدفع إلى استخدام القوة» .. مع التأكيد على أن: « صعود الجماعات التابعة للقاعدة هو أحد التحديات فقط التي تثيرها سوريا، لكنه قد يكون التحدي الذي يدفع أوباما أخيرا للتخلي عن ممانعته القوية من إشراك أميركا بشكل أعمق في الصراع السوري» هذا ما أفصحت عنه صحيفة « كريستيان ساينس مونيتور – 5/2/»2014 مشيرة إلى أن: « من بين هذه الخيارات - التي تتم دراستها- أن تقدم أميركا أسلحة للثوار المعتدلين».
ومع أن مصدر حكومي رسمي نفى قيام الأردن بأية عمليات تدريب لقوات المعارضة السورية إلا أن الوكالة الفرنسية نقلت عن مصادر في المعارضة السورية، وأخرى من حكومة الرئيس بشار الأسد، قولهما: « أن آلاف المقاتلين تدربوا في الأردن بمساعدة أميركية وغربية على مدى العام الماضي». وفي تقرير خاص بها، نقلت « الجزيرة نت – 19/2/2014» عن مصادر في المعارضة السورية، اشترطت عدم الكشف عنها، قولها: « أنه على مدى الأشهر الثمانية الماضية حصل نحو ثلاثة آلاف مقاتل سوري على دورات تدريبية بسيطة داخل الأردن على الأسلحة الخفيفة»، وأن: « كل مجموعة .. تحضر للأردن من درعا ومن جنوب دمشق ويتم ترشيحها من قبل رئيس المجلس العسكري في درعا أحمد فهد النعمة، وتنقل لمواقع تدريب بإشراف من ضباط أردنيين بشكل أساسي، مع تواجد لضباط آخرين لاسيما من الأميركيين وبعض العرب والغربيين».
وأوضحت المصادر ذاتها أن: « مدة التدريب للمجموعة الواحدة تستغرق ما بين 8 و12 يوما قبل أن يعودوا لسوريا حيث يحصل كل متدرب أنهى الدورة على بندقية آلية حال وصوله إلى الجانب الآخر من الحدود، فيما يتم انتقاء عدد محدود من المقاتلين - خاصة من المتعلمين- للبقاء والخضوع لتدريبات أخرى». وفي حين تحدثت المصادر عن مستوى تدريب: « عادي وبسيط يتلقاه هؤلاء ولا يرتقي لمستوى تدريب مقاتلين محترفين»، أكد القيادي بإحدى كتائب الجيش السوري الحر في درعا، علي الرفاعي، أن: « المقاتلين يخضعون لتدريبات مكثفة ومتنوعة، من بينها تدريبات على أسلحة مضادة للطيران والصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للدبابات» .. وأن: « الولايات المتحدة هي من يشرف على برنامج التدريب هذا، وأن مدربيها يشترطون تشكيل غرف عمليات يسيطر عليها قادة قريبون منها لتدريب المقاتلين المرشحين منها»، موضحا أن: « المجالس العسكرية التي يترأسها أحمد فهد النعمة هي الجهة الوحيدة المخولة بترشيح المقاتلين لحضور الدورات المذكورة»، وأن: « من بين المشاركين ضباط يتبعون لوائي المهمات الخاصة والكرامة».
وأكد تقرير « الجزيرة نت»، نقلا عما وصفه بـ « أحد المصادر المهمة على الأرض في درعا» تأكيده: « قيام رئيس المجلس العسكري في درعا أحمد فهد النعمة - المدعوم من الأردن والسعودية- بتقسيم محافظة درعا إلى سبع غرف عسكرية، وتم إجبار الكتائب التابعة للجيش السوري الحر على الانضمام لغرف العمليات هذه، وقطع الدعم النقدي والعسكري عن كل من يرفض الانضمام لها، وهو ما أدى إلى إيجاد مجاميع عسكرية موازية للتنظيمات الإسلامية المقاتلة للنظام»، وكذلك تأكيده: « وصول أنواع غير معتادة من العتاد العسكري والذخيرة لقوات المعارضة السورية في درعا .. وكميات كبيرة وغير مسبوقة من قذائف الدبابات وقذائف أر. بي. جي وغيرها، وبكميات تعتبر الأكبر منذ اندلاع الثورة على نظام بشار الأسد». ويضيف التقرير، أن: « المعارضين السوريين الذين تحدثوا للجزيرة نت أجمعوا على أن الهدف الرئيسي من برنامج التدريب هذا هو محاولة إيجاد بديل للتنظيمات الإسلامية التي يتنامى نفوذها على الأرض في جنوب سوريا قرب الحدود مع الأردن».
بديل! تورطت فيه السعودية وقطر بحسب ما كشفته صحيفة « ديلي تلغراف – 22/1/2014» البريطانية التي قالت أنه: « في الوقت الذي يحث فيه قادة الغرب النظام السوري والمعارضة علنا على حضور مؤتمر جنيف2، الذي بدأ أعماله اليوم، كانت واشنطن تدعم سرا أيضا تحركات سعودية وقطرية لتقديم أسلحة وأموال لجماعات الثوار لمقاتلة ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق». وأشارت الصحيفة إلى أن: « هذا التطور يمثل مرحلة جديدة في الصراع يتعاون فيه الداعمون الدوليون مباشرة مع قادة الثوار لاستهداف خلايا القاعدة التي ينظر إليها على أنها تشكل تهديدا لأجهزة الاستخبارات الغربية».
وبطبيعة الحال فلم تكن « إسرائيل» غائبة عما يجري من اقتتال بين المجاهدين في سوريا. وبمناسبة مرور 25 عاما على انطلاقة « القاعدة» أعد كل من يورام شفايتسر وأفيف أوريج دراسة أمنية صدرت عن « مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي - 17/4/2014. وقالت أن « القاعدة» حققت: « نجاحات لم يحققها أي تنظيم إرهابي في العصر الحديث، على صعيد إيذاء وإحراج وإرهاق القوة العظمى التي تهيمن على العالم وحلفائها، ودفعها إلى شن حملات أمنية دامية ومكلفة في جميع أرجاء العالم». ورأت الدراسة أيضا أن: « مستقبل المواجهة مع تنظيم القاعدة يتوقف على مدى استثمار القوى الغربية الكثير من الإمكانيات في دعم الدول الإسلامية والعربية التي تواجه القاعدة، ولاسيما الدعم العسكري والاقتصادي، علاوة على تعزيز التعاون الاستخباري معها».
سؤال: هل كانت القوى الثورة الوطنية فضلا عن الجهادية في مستوى الحدث الذي يهز أركان النظام الدولي ويؤرق قوى « الجبر» كافة؟ وهل كانت هذه القوى تدرك فعلا قيمة الثورة؟ هل ينبئ الاقتتال الدامي بين المجاهدين وقوى الثورة عن سوء في القراءة و « الإعداد»؟ أم عن فطنة تأخر ظهورها!!!؟
****************** الحلقة القادمة الافتراق 19/4/2014 [1] غياب الرأس للثورة السورية ولإجمالي الثورات العربية مسألة طبيعية لاسيما وأن نظم « سايكس – بيكو» لم تسمح البتة بظهور أية قيادات للشعوب، كما أن من سمات التدافع الإنساني أنه سنة ربانية وليس بشرية يمكن التحكم بها أو السيطرة عليها. لذا كان التفرق في الثورة السورية مفيدا في وقت ما للحيلولة دون اختراقها أو احتوائها أو السيطرة عليها، ومن ثم توجيهها في الاتجاهات التي تخدم مصالح « المركز» والنظم السياسية معا. [2] إن « قضية التدخل العسكري قضية حية. وربما يكون القادة السياسيون الغربيون ليست لديهم الرغبة للتدخل الأعمق، لكن وكما يعلمنا التاريخ، فنحن لا نختار دائما الحروب التي نخوضها، أحيانا الحروب هي التي تختارنا ... يتحمل المخططون العسكريون مسؤولية إعداد خيارات التدخل في سوريا لقادتهم السياسيين في حال اختارهم هذا الصراع. والإعداد سيتم اليوم في عدة عواصم غربية وفي الميدان بسوريا وفي تركيا» !!! هذا التصريحات نقلتها صحيفة « الديلي تلغراف – 27/7/2012» البريطانية عن ريتشارد كيمب، العقيد والقائد السابق في أفغانستان، وجاءت في سياق ورقة أعدتها مجموعة للبحث في شؤون الدفاع بعنوان: « سوريا: توجه للتدخل»، وقُدمت إلى المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة « رويال يونايتد سيرفيسس إنستتيوت». وبحسب الورقة فإن: « 75 ألف جندي هو العدد المطلوب لتأمين مخزون الأسلحة الكيميائية السورية والتخلص منها بسلام» .. لكن بحسب مايكل كودنر، مدير قسم العلوم العسكرية بالمعهد، يقول أن: « نقطة البدء لحساب التدخل الكامل ستكون 300 ألف جندي على الأقل». أما لماذا هذا الجيش العرمرم؟ فلأن مجموعة البحث ترى في النهاية أن الثورة السورية: « بدلا من أن تنفجر انفجارا داخليا مثل الدول العربية الأخرى التي شهدت ثورات، فإن سوريا سوف تنفجر إلى الخارج لتتقيأ مشاكلها على نطاق الشرق الأوسط بأكمله، مع احتمال حدوث تداعيات كارثية».
|
تعليقات القراءاضف تعليقك |