مقالات وأبحاث
البيان الجلــيّ في فضائح المدخلـيّ
Friday 14-September-2007
Views : 46961
خطبة المقال : فضائح المدخلي[*] الحمد لله سبحانه والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد ، فقد صدر عن المدخلي المُبتلى بالإرجاء ، في موقعه على الإنترنت ، كلمات يموه بها على عقول الشباب بما يورده خلالها من أسماء علماء المسلمين وما ينقله عن كتب السنة وأهل الحديث ، ثم يعرضه عرضا ملتويا هو في حقيقته ، لمن له بصيرة ، حجة عليه لا حجة له ، وكأنه هو صاحب علم الحديث ومنشئه والموكّل بحفظه ! يعلم الله سبحانه أنه أبعد الناس عن الحديث وعن سنة قائله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وإن تشدّق بكلماته هذه ، فالعلم بالحديث يتبعه علمًٌ بمنهج السنة في النظر والإستدلال ، وفقه في دين الله وبصيرة في واقع الناس تجعل العالم بصير بمقصود الشارع في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو ما لا يتحلى به هذا الرجل في قليل ولا كثير . والرجل تائه منحرف لا محالة. فمنهجه في الإرجاء معروف ، بل وغلوه في الإرجاء بما لم يحكى حتى عن السابقين من المرجئة مدون عنه ، حتى أنه جعل منزلة الحكم بالقوانين الوضعية وإقامة تشريع مواز لشريعة الله وترك الشريعة الحقة وتنحيتها جانبا والحكم بين المسلمين في أبضاعهم وأبشارهم وأموالهم بما شرّع نابليون وبوش وغيرهم من شياطين الإنس ، والإعتداء على دعاة الإسلام وقتلهم وتشريد أهليهم ، جعل كل هذا ذنبا بمنزلة من "دخّن سيجارة" أو شاهد فيلما سينمائيا ! ألا ما أجهل أهل البدعة الذين أبتلى الله المسلمين بهم في عصرنا هذا ! وكأن الحكام من الطواغيت لم يقوموا بما أملاه عليهم سادتهم من الصليبيين والصهاينة ، وكأن العدوان الصليبي الغادر بمعاونة هؤلاء الخونة ليس كافيا ، وكأن الإستسلام والعيش في الضيم والهوان في ظل الإحتلال هو السنة وهو المنهج السديد !! ألا إنه وأمثاله لسبة في جبين الإسلام ، قاتل الله الجبناء من أمثاله . والطامّة الكبرى ليست في هذا الأمر ، بل في أن الرجل لا حياء عنده يردعه عن أن يرمي الدعاة إلى الله ممن هم أرفع منه قدرا وأفضل منه فقها وعلما وأرفع درجات عند الله والناس بالنقائص ويسمى هذا "جرحا وتعديلا" يموه به على من لا عقل له ولا علم من الشباب ممن يدفعه الجهل إلى حبّ النقد والنيل من الغير ، فيجد في هذا المبتدع بغيته فيتبعه على أن يطلق له حرية النيل من أقدار العلماء بحجة الجرح والتعديل ، ويشهد الله أن علماء الجرح والتعديل أبرياء من أمثال هذا الضال المرجئ المعتدى . وهي طريقة يتبعها أمثال هذا من أمثال مقبل الوادعي الذي لم يستحى من الله أن يسمى القرضاوى "الكلب العاوى" ! وسبحان الله هو بين يدي الله لعل الله أن يغفر له مثل هذا الخلل وقلة الأدب . ونحن نختلف مع القرضاوى ، ونعرف مواضع خطئه ونعرّف بها ، ولكن ليس بأسلوب الشتم والإهانة ، وإلا فإن كل كاتب يمكن أن يهين الآخرين ويرميهم بألفاظ قبيحة . والأمر ليس أمر حق وباطل وإنما هو أمر خلق وتربية نتعلمها من سيد المرسلين الذي لم يسمى أكفر الكافرين بمثل هذه الألفاظ ، أتعس الله هؤلاء المبتدعين . وقد رأيت بعيني رأسي من الشباب ، خاصة ممن لا يتحدث العربية ، يقع في حبائل هذا المُدّعِ ، إذ أن الجهل آفة العدل ، فترى هؤلاء الشباب المنحرف وقد سهُل عليهم الخوض في أعلام الأمة وتمهد لهم طريق الغيبة والسباب وكأن سبّ العلماء هو دليل العلم عندهم ، وكيف لا وقد موّه عليهم هذا الضال بتلك الكلمات التي ينقلها عن سادة السلف ويحرفها عن موضعها لتنطلى خدعه على أمثال هؤلاء ويكثر أتباعه بالباطل وكأنه الحق . وقد قام العديد من علماء السنة والجماعة ببيان فضائحه وإن قصرت عن الإبانة أقلامهم في بعض الأحيان لما يحظى به هذا المبتدع من حماية السلطان ومن وراء هذه الحماية مباركة أهل العدوان على الإسلام ، إذ قد حقق لهم بكلماته المضللة ما لم تحققه سجون وجيوش وآلات تعذيب وسلطات إحتلال ، فهو بطل العلمانية وحامي حماتها ، وهو مبارِك للعدوان متواطؤ عليه ، ثم هو يدعى السلفية بلا حياء ولا خجل . إن منهجا يمهّد للعدوان ، ويرضى بالباطل ويخضع لشرع الجاهلية أن يتّبع ولمنهج الله أن يزدرى وينحى عن النفاذ ، لهو منهج ضال منحرف عن الجادة دون الحاجة إلى الرجوع إلى أي كتاب أو السماع لأي عالم ! فإن ما يسوغون للناس قبوله هو عكس مقصود الله سبحانه في إرسال الرسل وإنزال الكتب . ثم هؤلاء يتحدثون عن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب إتباع الحكام حتى لو عصوا ، وهو صحيح في موضعه ، إلا أنّ ما يفعل اليوم بشريعة الله هو خلاف ما تقع عليه منطوقات هذه الأحاديث ، كما بينه أسياد هذا المبتدع من علماء السنة الصحيحة ، وكما سنبين إن شاء الله تعالى ، ولكن الهوى والضلالة والبدعة لا تدع في عقل المبتدع منفذاً للنور ! فحسبنا الله ونعم الوكيل في تلك الثلة الضالة من أتباع المدخلي ، أذناب السلطان وحماة العدوان . ولمّا رأينا أنه لا يرتدع ، قررنا أن نجرعه بالحق من الكأس التي جرّع منها العديد من أهل السنة بالباطل وسنقوم بإذن الله في هذه التقدمة بالردّ على ما نشره هذا المبتدع في تاريخ 19/10/1425هـ على موقعه مما يموه به على عقول العامة من أن ما يفعله هو وقطيعه يعتبر من علم الجرح والتعديل الذي سنه للمسلمين السلف الصالح الذين ضلّ عن منهجهم هذا الدعيّ الجاهل . ونبدأ بقرير أن التحذير من أهل الضلال والبدع هو أمر متفق عليه لا خلاف فيه وقد دونا فيه صحائف بحمد الله تعالى منها مجموعة كتب الفرق التي أصدرناها منذ أكثر من ربع قرن[1] . كذلك فقد كتبنا عن القرضاوى وأخطائه العديدة[2] . إلا أن هذا لا يبرر الشتم والقذف وقلة الأدب والحياء . ثم ننقل هنا ما قاله هذا الرجل المبتدع "المدخلي" في موضوع الجرح والتعديل ما يبين بجلاء خلطه للأمور وضيق نظره في فهمه للشرعيات وهو عمدة ما كتبه عن هذا الأمر[3] : " قال الإمام الذهبي في هذا الكتاب : " الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف رأس في الذكاء والعقليات لكنه عري من الآثار وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين ثورت حيرة , نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا , وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم سحر صريح فلعله تاب من تأليفه إن شاء الله تعالى " اهـ قال الحافظ ابن حجر : " وقد عاب التاج السبكي على المصنف ذكره هذا الرجل في هذا الكتاب , وقال : إنه ليس من الرواة , وقد تبرأ المصنف من الهوى والعصبية في هذا الكتاب , فكيف ذكر هذا وأمثاله , ممن لا رواية لهم كالسيف الآمدي وقد اعتذر عنه بأنه يرى القدح في هؤلاء من الديانة وهذا بعينه التعصب في المعتقد " . انظر إلى السبكي كيف يرمي الذهبي بالتعصب في المعتقد ، وينكر عليه ذكر الرازي وأمثاله في كتابه الميزان , والميزان في نظره خاص بالرواة , وهذا اعتراض باطل دافعه الهوى والتعصب لأمثاله من أهل الأهواء , فلم يشترط أحد من أئمة الجرح والتعديل تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط ، بل تناولوا الرواة من جهة الرواية ومن جهة المعتقد , فالراوي المبتدع أخطر عندهم من الراوي السليم من البدع , لذا ترى الأئمة لم يكتفوا بذكر أهل البدع في كتب الجرح والتعديل , بل ذهبوا ينتقدونهم ويجرحونهم ويبينون فساد عقائدهم ومناهجهم لشدة خطورتهم في كتب مستقلة وهي كثيرة معلومة لدى العلماء وطلاب العلم ." . ولا شك أن الشباب الذين يستمعون لهذا الكلام يعتقدون أن تحت القبة شيخ ! وأن الرجل صاحب علم أعلى وفقه أجلّ ! ويشهد الله أن الصحيح عكس هذا على وجه التمام . أولا : تمويه المدخلي : موّه المدخلي بذكر مقدمات مجمع عليها من أنّ إظهار عوار أهل البدع بل وتسمية أهل البدعة بأسمائهم ليحذر منهم العامة أمر لا شك فيه ، وهو ما نتفق عليه ولهذا فنحن نكتب عن هؤلاء السلفيين المزيفين ونسميهم بأسمائهم ، فالأمر هو "من هم أهل البدعة" و "من هم الذين يحكمون عليهم بالبدعة" ؟ فأنّا نحسب أن المدخلي من أهل البدعة ونقرر هذا من أقوال السلف والخلف ومن بيان فهم منهج أهل السنة في النظر والإستدلال بما لا يدع مجالا لشك . فالرجل غاية جهده أن يثبت أن الحكم بما أنزل الله ورفع الشريعة من الأرض للحكم بالأحكام الوضعية هو في منزلة الذنب كتدخين السيجارة سواء بسواء ! هناك من المُضَللين والمغترين من يرى مثل هذا الرأي لقلة علم أو لهوى أو شبهة . وسنتعرض لشبه المدخلي في مقالته عن مجال علم الجرح والتعديل الذي اتخذه وأمثاله ممن اغتروا بالألفاظ الكبيرة التي يموهون بها على عوام الشباب وجهالهم لسبّ العلماء – من أخطأ منهم في أمر أو أمور – متخذا سلفا له في ذلك مدّعي السنة الآخر "الوادعي" الذي أسمى القرضاوى "الكلب العاوى" ! سبحان الله على السنة التي يتبعها هؤلاء الضالين والتي تعطى الحق لرجل يصيب ويخطئ ولا يتنزل عليه الوحي أن يسبّ رجلا يقول ربي الله ويدعو إلى الله ، مع خطئه وانحرافه في أمور عديدة سجلناها عليه في مواضع عدة . والشباب المخدوع إنما يستمع إلى الكلمات والمصطلحات التي يستعملها هؤلاء المبتدعة في خطابهم مثل "ليس بشيئ" و"لا بأس به" و"جاهل" أو "ضال" مما يستعمله علماء الحديث في كتب الجرح والتعديل التي يراد به وجه الله وحماية السنة لا ما يراد بها غمز الدعاة وسبّ العلماء تحت عنوان "الجرح والتعديل" ! . وسنقوم بعون الله تعالى بالرد على هذه النقاط التي موّه بها المدخلي في مقاله ذاك عن الذهبي وغيره ، ثم نعرج بالرد بشكل عام على مغالطات الرجل وانحرافاته التي يروجها بين الشباب في إجمال فيما يأتي إن شاء الله تعالى . ثانبا : تخليط المدخلي : أن كتاب الذهبي "ميزان الإعتدال" إنما هو بالأصالة كتاب في تقرير أحوال الرواة ونقلة الحديث لا في تفنيد كلام أهل البدع والأهواء والنعي عليهم . قال الذهبي في خطبة الكتاب ما نصه : " أما بعد - هدانا الله وسددنا ، ووفقنا لطاعته - فهذا كتاب جليل مبسوط ، في إيضاح نقلة العلم النبوى ، وحملة الآثار " اهـ . وهذا نصّ في تقرير الغرض من الكتاب يقدّم على ما قد يفهم من جزئية وردت مرة أو مرتين في الخطاب ، فجعلها المدخلي أصلا بذاته في الهجوم على الرجال من العلماء – سواء بحق أو بباطل . فالفرق هنا في أن هذا الكتاب ، ومثله من كتب الجرح والتعديل إنما هي موضوعة "أصالة" لتنفنيد أحوال الرواة كما نصّ على ذلك الذهبيّ نفسه ، وأن الحديث عن خلل في العقيدة عند أحد الرجال إنما هو عرض من الأعراض ليس من أصل موضوع الكتاب . وهذا يعنى أنّ إتخاذ عنوان هذا العلم ليكون على وجه "الأصالة" موضوعا لكتب بذاتها تحمل هذا العنوان الجليل ليبرر الهجوم على العلماء ممن ليسوا من أهل الرواية - وإن أخطئوا في بعض أقوالهم - هو من البدع ومما يخالف سنن العلماء ومن التمويه المغرض . والميزان قد تعرض فيه صاحبه لأكثر من أحدى عشر ألفا من الرجال ، لم يتعرض فيه لغير المحدثين والرواة إلا لشخصية أو اثنتين ! فهل يبنى على هذا علم هو أولى بأن يسمى "علم سبّ الرجال" ! ونحن نعلم أن فهم مثل هذه الدقيقة هو مما يعزّ على أمثال المدخلي ومتبعيه ، ولكننا نبين أن من طريقة أهل البدع تقديم العام على الخاص والمجمل على المبين والمطلق على المقيد . فكما ذكرنا ، قدم المدخلي معنى فرعيا وأمرا شاذا عن قاعدة الكتاب واتخذ ذلك ذريعة لجعله أمرا أصليا وأطلق عليه اسم الجرح والتعديل . هذا هو التحريف بعينه . هذا هو التزييف بعينه . وهذا ما يؤيد تسميتنا لهم "السلفيون المزيفون"[4] . ويموه هؤلاء المزيفون على الجهلة من الشباب أن من له معرفة بالحديث كان فقيها بطريق اللزوم ، وشتّان بينهما ، فإن يحي بن معين لم يكن فقيها ولا كان عليّ بن المديني ولا يحي بن سعيد القطان ولا أبي زرعة ولا غيرهم من أعلام الرجال في علم الحديث ، لا أمثال هؤلاء المصطنِعين للعلم المتطفّلين على موائد الحديث . وإنما كان الأوزاعي فقيها وأبي حنيفة فقيها والشافعي فقيها والليث بن سعد فقيها ، ولم يكن من هؤلاء من يُعدّ من علماء الحديث إلا أحمد بن حنبل الذي جمع بين الحسنيين ، الفقه والحديث . وفقه الحديث هو أمر ثالث يستدعى النظر الفقهي كما بيّن ذلك أمثال الصنعاني في "سبل السلام" والشوكاني في "نيل الأوطار" وما أبعد هؤلاء المدّعين عن رتبة هؤلاء المحققين . فمعرفة الرجال وتحقيق الحديث ليس فقهاً ولا يستدعي فقه ولا ينشأ عنه فقه بطريق اللزوم ، بل هو علم شريف خاص قائم برأسه له أصوله وقواعده التي يقوم عليها ومن ثم ينشأ عنه تصنيف الأحاديث بما هي عليه من رتب التصحيح والتضعيف . وصلته بعلم الفقه كصلة الحداد الماهر الذي يصقل السيف ثم يسلمه للفارس الذي يضعه في موضعه . ولكن هؤلاء البشر- أو أشباههم- لا يكادون يفقهمون حديثا ! فما بالك وهم من تلامذة الحديث الساقطين عن رتبة القيادة فيه ، وإن موّهوا وبثوا فتنهم وزكوا أنفسهم فهم في هذا كلابس ثوبيّ الزور بإدعائهم ما ليس فيهم ، وإنما أفلحوا في خدمة السلاطين وتحسين ترك العمل بالشريعة في أنظار العوام ، جزاهم الله بما يستحقون . ثالثا : تدليس المدخلي في إيراد الأدلة :
ثم يعمّى المدخلي عن أهداف ووسائل علماء الجرح والتعديل فيقول : " فلم يشترط أحد من أئمة الجرح والتعديل تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط ، بل تناولوا الرواة من جهة الرواية ومن جهة المعتقد , فالراوي المبتدع أخطر عندهم من الراوي السليم من البدع , لذا ترى الأئمة لم يكتفوا بذكر أهل البدع في كتب الجرح والتعديل , بل ذهبوا ينتقدونهم ويجرحونهم ويبينون فساد عقائدهم ومناهجهم لشدة خطورتهم في كتب مستقلة وهي كثيرة معلومة لدى العلماء وطلاب العلم " . وهو مرة أخرى تحريف للقول عن موضعه . فإن الجملة بذاتها ناطقة بالخلط والتعمية ! فإنه يقول : لا يشترط تخصيص الجرح بالرواة فقط من حيث الرواية فقط . وهو هنا قد خلط أمرين ليشبّه على الجهلة المعنى المنحرف المغلوط الذي يدّعيه . فرغم أنه قال "تخصيص الرواة فقط" فقد ساق في الجملة التي بعدها ما قرره العلماء من حيث نقد عقيدة الرواة ، وهو ما لم نختلف عليه ، إنما نختلف على صحة نقد من هم ليسوا من الرواة في غير الرواية تحت اسم علم الجرح والتعديل ! هذا ما لم يتم للمدخلي ، وإن موّه به بمثل هذه الجملة المخلّطة ، بل قد جاء عنه ما نقله هو نفسه من أن هناك كتب مستقلة تتناول عقائد المبتدعة وإظهار انحرافهم ! ونتساءل : لماذا إذن لم يتناول المدخلي وأمثاله الأخطاء أو الإنحرافات في فتاوى بعض العلماء أو في بعض معتقدات آخرين في كتب مستقلة يمكن أن يكون الغرض منها قرع الحجة بالحجة ، بأسلوب أقرب إلى السنة وأليق بهدى الإسلام ؟ والجواب أن الأيسر في تجريح الناس أن يصدر عن كبيرهم الذي علمهم السب كلمة مختصرة بأن فلان "جاهل" أو "ليس بشيئ" أو مثل ذلك من مصطلحات علماء الحديث ، ولا حاجة إلى تدوين أكثر من ذلك إذ أن تناول الأدلة قد يعوّد الشباب على فهم الحجة والرجوع إلى الأدلة بشكل عام ، وهذا لا يخدم مصالح هؤلاء المدّعين من عملاء السلاطين وأنصار المعتدين والمحتلين ، فالأسهل أن نصنّف في كلمة أو كلمات رجل أو رجال ممن هم أعلى قدرا وأعلم فقها بأنهم كذا وكذا ، ولينطلق بهذه الكلمات شباب اغتر بأنهم اصبحوا من أهل الجرح والتعديل !!! سبحانك اللهم ، نجّنا من أمثال هؤلاء المخادعين المغترين . ألا وإني أصنّف هذا المدعي "صاحب بدعة ، ليس بشيئ ، متروك" . ثم ينقل مرة أخرى قول مسلم : وقال الإمام مسلم – رحمه الله - : " واعلم وفقك الله تعالى أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها ، وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروى منها إلا ما عرف صحة مخارجه ، والستارة في ناقليه ، وأن يتقيَّ منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع" . وواضح أنّ مسلم يتحدث عن أصحاب الروايات وضرورة الرواية عن الثقات دون أهل البدع والأهواء ، وهو ما لم نختلف عليه . فالرجل يسوق أدلة تدل على أمر مجمع عليه ، ويتخذها دليلا على ما لم يتفق عليه ! وهو من التدليس في الرد . وهو ما موّه به بعد في مقاله على الإنترنت " أئمة لحديث ومن سار على نهجهم هم أعلم الناس بأهل الأهواء والبدع ومشروعية الجرح والتعديل من الأكفاء لم تنقطع " . فقد نقل الآتي مما يؤكد صحة ما ذهبنا اليه من تدليسه في إيراد الأدلة : قال : "1 -إبراهيم بن طهمان الخراساني نزيل مكة وثقه في الرواية عدد من الأئمة وممن وثقه الإمام أحمد وصالح بن محمد جزرة والدارقطني ولكنهم وصفوه بالإرجاء تهذيب التهذيب ( 1/ 129-130) وقال الذهبي فيه قال الدارقطني ثقة وإنما تكلموا فيه للإرجاء . وقال أبو إسحاق الجوزجاني : فاضل رمي بالإرجاء . وقال أحمد : " صحيح الحديث مقارب يرى الإرجاء وكان شديداً على الجهمية " الميزان (1/38) . 2- أيوب بن عائذ الكوفي ، قال الذهبي : " وكان من المرجئة قاله البخاري وأورده في الضعفاء لإرجائه ، وذكر الذهبي أنه له عند البخاري حديث وعند مسلم حديث آخر فإنه مقل " ، الميزان ( 1/289) وذكر الحافظ أن ابن المبارك والبخاري وأبا داود وابن حبان وصفوه بالإرجاء , تهذيب التهذيب (1/407) ونقل توثيقه عن الأئمة " . ويرى القارئ الفهيم من هذه الأمثلة أن الرجل يدلّس فيها ويعمّى على القارئ ، إذ أنها لرواة من أهل البدعة (الإرجاء) روى عنهم بعض الإئمة وصحح بعضهم أحاديثهم ، بل روى البخارى ومسلم لبعضهم . فهؤلاء أولا وأخيرا رواة ، فلم التدليس وخلط الأدلة ؟ . وهو محصول ما نقله عن ابن حجر في تهذيب التهذيب في طعنه على ثور بن زيد وما نقله عن الميزان من نعي الأوزاعي على الوليد حين حدّثه عن ثور . والعجيب أن هذا الرجل لا يستحى من النقل عن الإئمة للدلالة على معنى منحرف والإلتواء بالكلام كما نقله عن ابن القيم في أنواع الأقلام : " القلم الثاني عشر : القلم الجامع , وهو قلم الرد على المبطلين , ورفع سنة المحقين , وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها , وبيان تناقضهم , وتهافتهم , وخروجهم عن الحق , ودخولهم في الباطل , وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام , وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدئهم . وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال " . وهو معنى صحيح عن ابن القيّم رحمة الله عليه ، والحمد لله الذي جعلنا من أصحاب هذا القلم الذى ندرأ به عن السنة الصحيحة وعن أعراض الدعاة ضد أمثال المدخلي الشانئ المنحرف . فإن لم يكن هذا تدليس في إيراد الأدلة فما يكون التدليس فيها بالله عليكم ؟ وقد حذر العلماء من مثل هذا التطرف البغيض في سبّ الخصم وإسقاط قدره ، إذ هو ليس من هدي النبوة ولا هو جار على مهيع الشرع . قال الشاطبيّ رحمة الله عليه في حديثه عن الإجتهاد : " أولا : أن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليدا له ، ... كما لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ( ونحن نخالف في هذه الجزئية - التقصير- كما بيّن عبد الله دراز في تحقيقه ) ولا أن يشنّع عليه بها ولا ينتقص من أجلها ... .وعن بن المبارك أنه قال : كنا في الكوفة فناظروني في ذلك – أي في النبيذ المختلف فيه – فقلت لهم تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي بالرخصة فإن لم نبين الرد عليه عن ذلك الرجل بشدة صحت عنه فاحتجوا فما جاءوا عن واحد برخصة إلا جئناهم بشدة فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود وليس احتجاجهم عنه في رخصة النبيذ بشيء يصح عنه قال ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة يا أحمق عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر أو تحير أو تخشى فقال قائلهم يا أبا عبد الرحمن فالنخعي والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام فقلت لهم دعوا عند الاحتجاج تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن يكون منه زلة أفلأحد أن يحتج بها فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة قالوا كانوا خيارا قال فقلت فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد فقالوا حرام فقال ابن المبارك إن هؤلاء رأوه حلالا فماتوا وهم يأكلون الحرام فبقوا وانقطعت حجتهم هذا ما حكى والحق ما قال ابن المبارك فإن الله تعالى يقول فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول الآية " الموافقات جـ4 ص170 كذلك فيقرر الشاطبي أنّ هذا العمل – تجريح الخصوم وإسقاط هيئاتهم - هو مما يجرّ الى الفوضى ويناقض الشرع ، فيقول في معرض حديثه عن أصول الترجيح بين المفتين : " المسألة الثالثة : حيث يتعين الترجيح فله طريقان أحدهما عام والآخر خاص فأما العام فهو المذكور في كتب الأصول إلا أن فيه موضعا يجب أن يتأمل ويحترز منه وذلك أن كثيرا من الناس تجاوزوا الترجيح بالوجوه الخالصة إلى الترجيح ببعض الطعن على المذاهب المرجوحة عندهم أو على أهلها القائلين بها ... فلنذكر هنا أمورا يجب التنبه لها : قال : ... والثاني : أن الطعن في مساق الترجيح يبين العناد من أهل المذهب المطعون عليه ويزيد في دواعي التمادي والإصرار على ما هم عليه لأن الذى غض من جانبه مع اعتقاده خلاف ذلك حقيق بأن يتعصب لما هو عليه ويظهر محاسنه ... والثالث أن هذا الترجيح مغر بانتصاب المخالف للترجيح بالمثل أيضا فبينا نحن نتتبع المحاسن صرنا نتتبع القبائح فإن النفوس مجبولة على الانتصار لأنفسها ومذاهبها وسائر ما يتعلق بها فمن غض من جانب صاحبه غض صاحبه من جانبه فكأن المرجح لمذهبه على هذا الوجه غاض من جانب مذهبه فإنه تسبب في ذلك كما في الحديث إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه قالوا وهل يسب الرجل والديه قال يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه فهذا من ذلك وقد منع الله أشياء من الجائزات لإفضائها إلى الممنوع كقوله لا تقولوا راعنا وقوله ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله الآية وأشباه ذلك والرابع أن هذا العمل مورث للتدابر والتقاطع بين أرباب المذاهب وربما نشأ الصغير منهم على ذلك حتى يرسخ في قلوب أهل المذاهب بغض من خالفهم فيتفرقوا شيعا وقد نهى الله تعالى عن ذلك وقال ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا الآية وقال إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ وقد مر تقرير هذا المعنى قبل فكل ما أدى إلى هذا ممنوع فالترجيح بما يؤدي إلى افتراق الكلمة وحدوث العداوة والبغضاء ممنوع ... فإن المدح إذا أدى إلى ذم الغير كان مجحفا والعوائد شاهدة بذلك . والخامس : أن الطعن والتقبيح في مساق الرد أو الترجيح ربما أدى إلى التغالي والانحراف في المذاهب زائدا إلى ما تقدم فيكون ذلك سبب إثارة الأحقاد الناشئة عن التقبيح الصادر بين المختلفين في معارض الترجيح والمحاجة ... وهو الحق الذى تشهد له العوائد الجارية وقد جاء في حديث الذى لطم وجه اليهودي القائل والذى اصطفى موسى على البشر أن النبي غضب وقال لا تفضلوا بين الأنبياء أو لا تفضلوني على موسى مع أن النبي جاء بالتفضيل أيضا فذكر المازري في تأويله عن بعض شيوخه أنه يحتمل أن يريد لا تفضلوا بين أنبياء الله تفضيلا يؤدي إلى نقص بعضهم قال وقد خرج الحديث على سبب وهو لطم الأنصاري وجه اليهودي فقد يكون عليه الصلاة والسلام خاف أن يفهم من هذه الفعلة انتقاص موسى فنهى عن التفضيل المؤدي إلى نقص الحقوق قال عياض وقد يحتمل أن يقول هذا وإن علم بفضله عليهم وأعلم به أمته لكن نهاه عن الخوض فيه والمجادلة به إذ قد يكون ذلك ذريعة إلى ذكر ما لا يحب منهم عند الجدال أو ما يحدث في النفس لهم بحكم الضجر والمراء فكان نهيه عن المماراة في ذلك كما نهى عنه في القرآن وغير ذلك هذا ما قال وهو حق فيجب أن يعمل به فيما بين العلماء فإنهم ورثة الأنبياء فصل وأما إذا وقع الترجيح بذكر الفضائل والخواص والمزايا الظاهرة التي يشهد بها الكافة فلا حرج فيه بل هو مما لا بد منه في هذه المواطن أعني عند الحاجة إليه وأصله من الكتاب قول الله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الآية فبين أصل التفضيل ثم ذكر بعض الخواص والمزايا المخصوص بها بعض الرسل وقال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا وفى الحديث من هذا كثير لما سئل من أكرم الناس فقال أتقاهم فقالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وقال عليه الصلاة والسلام بينما موسى في ملأ من بني إسرائيل جاءه رجل فقال هل تعلم أحد أعلم منك قال لا فأوحى الله إليه بلى عبدنا خضر وفى رواية أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذا لم يرد العلم إليه قال له بلى لي عبد بمجمع البحرين هو أعلم منك الحديث واستب رجل من المسلمين ورجل من اليهود فقال المسلم والذى اصطفى محمدا على العالمين في قسم يقسم به فقال اليهودي والذى اصطفى موسى على العالمين إلى أن قال عليه الصلاة والسلام لا تخيروني على موسى فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بجانب العرش فلا أدرى أكان فيمن صعق فأفاق أو كان ممن استثنى الله وفى رواية لا تفضلوا بين الأنبياء فإنه ينفخ في الصور الحديث فهذا نفي للتفضيل مستند إلى دليل وهو دليل على صحة التفضيل في الجملة إ ذا كان ثم مرجح وقال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام وقال للذى قال له يا خير البرية ذاك إبراهيم وقال في الحديث الآخر أنا سيد ولد آدم وأشباهه مما يدل على تفضيله على سائر الخلق وليس النظر هنا في وجه التعارض بين الحديثين وإنما النظر في صحة التفضيل ومساغ الترجيح على الجملة وهو ثابت من الحديثين وقال خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وقال عمر كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة وهم عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن ابن الحرث بن هشام إذا اختلفتم أنت وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوا ذلك وقال خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الله الأشهل ثم بنو الحرث بن الخزرج ثم بنو ساعدة وفى كل دور الأنصار خير وقال أرحم أمتى بأمتي أبو بكر وأشدهم في الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل وأفرضهم زيد بن ثابت وأقرؤهم أبي بن كعب ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وقال عبد الرحمن بن يزيد سألنا حذيفة عن رجل قريب السمت والهدى من النبي حتى نأخذ عنه فقال ما أعرف أحد أقرب سمتا وهديا ودلا بالنبي من ابن أم عبد ولما حضر معاذا الوفاة قيل له يا أبا عبد الرحمن أوصنا قال أجلسوني قال إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما يقول ذلك ثلاث مرات والتمسوا العلم عند أربعة رهط عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام الحديث وقال عليه الصلاة والسلام اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر وما جاء في الترجيح والتفضيل كثير لأجل ما ينبني عليه من شعائر الدين وجميعه ليس فيه إشارة إلى تنقيص المرجوح وإذا كان كذلك فهو القانون اللازم والحكم المنبرم الذى لا يتعدى إلى سواه وكذلك فعل السلف الصالح فصل وربما انتهت الغفلة أو التغافل بقوم ممن يشار إليهم في أهل العلم أن صيروا الترجيح بالتنقيص تصريحا أو تعريضا دأبهم وعمروا بذلك دواوينهم وسودوا به قراطيسهم حتى صار هذا النوع ترجمة من تراجم الكتب المصنفة في أصول الفقه أو كالترجمة وفيه ما فيه مما أشير إلى بعضه بل تطرق الأمر إلى السلف الصالح من الصحابة فمن دونهم فرأيت بعض التآليف المؤلفة في تفضيل بعض الصحابة على بعض على منحى التنقيص بمن جعله مرجوحا وتنزيه الراجح عنده مما نسب إلى المرجوح عنده بل أتى الوادي فطم على القرى فصار هذا النحو مستعملا فيما بين الأنبياء وتطرق ذلك إلى شرذمة من الجهال فنظموا فيه ونثروا وأخذوا في ترفيع محمد عليه الصلاة والسلام وتعظيم شأنه بالتخفيض من شأن سائر الأنبياء ولكن مستندين إلى منقولات أخذوها على غير وجهها وهو خروج عن الحق وقد علمت السبب في قوله عليه الصلاة والسلام لا تفضلوا بين الأنبياء وما قال الناس فيه فإياك والدخول في هذه المضايق ففيها الخروج عن الصراط المستقيم " المولفقات جـ4 ص263 وبعدها وقد أطلنا النقل هنا لأهميته واشتماله على دليله ، والشاهد هنا أنّ تتبع العورات وعدم إقالة ذوى الهيئات عثراتهم ومحاولة إسقاط الخصم بالتجريح هي من البدع الشنيعة والتي لا تدل إلا على ضعف هذه الطغمة من المبتدعين . ونحن قد وصمناهم بالبدعة لا لمجرد التجريح بل لأن بدعتهم هي من البدع الشنيعة التي نصّ العلماء على أن أمثالها يجب أن يبيّن ويعيّن وأن يسمى للناس حتى يعرفه القاصى والداني ، فالمدخلي ليس كالألباني ولا قريب منه ، وهو بالقطع ليس كبكر أبو زيد أو الدوسرى أو غيرهم من أئمة السنّة المشهود لهم ، وإنما قصاراه أنه إمام لعدد من الجهلة من الشباب الذين غرتهم هذه الألفاظ العريضة من علم الجرح والتعديل فأخذوا في علم سبّ الرجال وهم في هذا مغرورون ضالون ، فلا حول ولا قوة إلا بالله . رابعا : شبه المدخلي ومن حذا حذوه : أ. شبهة أن تبديل شرع الله ورفعه من حياة الناس والحكم بغيره هو من الذنوب التي تغتفر : وهذه هي إحدى العبر في حديث هذا المدخلي التي موّه بها على الشباب وجعل الكثير من جهالهم ينسحبون من الصراع مع الحق ليغرقهم في مصطلحات جرحه وتعديله وقلة أدبه مع العلماء ، وهو ما يخالف أساس التوحيد وأن الحكم والتشريع هو وحده حقّ لله لا للبشر . وقد تاه عن عقل هذا الدعيّ أن المقصود هنا هو حق التشريع ووضع شريعة بديلة لشرع الله لا إقامة الحكم بخلاف الشرع على وجه الظلم والبغي كما حدث على مرّ تاريخ المسلمين من قبل كارثة سقوط الخلافة وتبني العلمانية والإنخلاع عن الشرع جملة وتفصيلا . وقد نبّه كثير من علماء السنّة لهذا الخلط من أمثال أحمد ومحمود شاكر والدوسري وبن باز الذي يتشدقون بأنه ينصر قولهم في الإرجاء ومذهبهم في الإيمان ! كما سنبين فيما يأتي .
ب. شبهة الأحاديث التي تتحدث عن إتباع ولاة الأمر : وردت أحاديث في السنة المطهرة تدعو إلى طاعة الإئمة وولاة الأمر طالما اتبعوا الحق ولم يخرجوا عن دين الإسلام ، وقد التوى بمعنى هذه الأحاديث المدخلي وذيوله من الشباب المغرر به ، فحملوا هذه الأحاديث على مناطات خاطئة لتبرير تنحية الشريعة واتباع الأحكام الوضعية كما سنبين . بعض الأحاديث النبوية في اتباع الولاة :
وقد إتخذ هؤلاء الظاهرية هذه الأحاديث وتلاعبوا بمفهومها وحرّفوا مناطها كما تلاعب قبلهم غيرهم بمقال بن عباس في "كفر دون كفر" حسب ما بيّنا قبل ، والشاهد هنا ما يأتي : التعليق على ما في هذه الإستشهادات من تدليس وتبديل : أولا : أن هذه الأحاديث منزّلة على مناط من عصى الله ولم يخرج عن دينه بالكلية ، ولهذا طبقها الصحابة والتابعون من أهل السنة في مناطها الصحيح ونعوا على الخوارج الذين خرجوا على أئمة الظلم لا على من ارتكب مكفّرا كتبديل شرع الله ! وحديث عبادة بن الصامت فيه الكفاية للدلالة على ذلك : حدثنا إسماعيل حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر عن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدّث بحديث ينفعك الله به سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه . وهو نصّ في الموضوع . فههنا مربط الفرس ، أننا ندّعى أن تبديل الشريعة وإنشاء شرع مواز لشرع الله وتخضيع المسلمين للقوانين الوضعية هو من الكفر البواح الذي لنا فيه من الله برهان وبراهين . فنحن إذن لا نخالف في صحة هذه الأحاديث ولا في تطبيقها في مناطاتها ، خلافا للخوارج ، وإنما نحن نرى أنها قد تلاعب بمناطها المغرضون من أتباع السلاطين ليسوغوا اتباع الشرائع الوضعية ويحسنوا للناس القوانين الكفرية . وإذن لا يصلح الإستدلال بهذه الأحاديث في هذا الموضع إذ هي في ذاتها محل الخلاف في مناطها وأصول المناظرة يستدعى العدول عن دليل الخلاف والبحث عما لا يخْتلف فيه الخصمان . ثانيا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال "ما أقاموا فيكم الصلاة" وهو معنى إقامة الدين لا مجرد الصلاة ، ويدل على هذا حديث البخاري عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحدٌ إلا كبّه الله في النار على وجهه ما أقاموا الدين " فإقامة الدين هي المقصود بإقامة الصلاة . وحدثنى بالله عليك يا محّدث الأمة وكبير علمائها : هل إقامة الدين تتمشى مع رفع الشريعة كمصدر وحيد للتحاكم وفرض قوانين وضعية بشرية يحكمون بها في أبضاع الناس وأبشارهم وأموالهم ودمائهم ؟ وهؤلاء الذين يتلاعبون بهذه الأحاديث الشريفة وينزلونها غير منزلها في فعلتهم هذه قد اقتفوا أثر الآخرين الذين تلاعبوا بقولة بن عباس "كفر دون كفر" من قبل والذين قال في أمثالهم أحمد شاكر : ( فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما ، وصرفها عن معناها ، رغبة في نصرة السلطان ، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده ، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله ، أن يستتاب ، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام ، فحكم الكافر المصر على كفره معروغ لأهل هذا الدين ) . وهو صحيح في نفس هذا التلاعب بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثالثا : ثم إن هؤلاء البشر ترى الواحد منهم يتفنن في سبّ الدعاة ممن أخطأ أو زل رغم كفاحه الطويل في سبيل الله ولكنه لا يقدر على أن يُذكر أحد هؤلاء الطغاة المتجبرين من الحكام أمامه بسوء ! فسبحان الله العظيم على هذا الفقه العقيم ! ألم يأت في حديث مسلم " تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " فأين البغض لمن عصى الله (إن سلّمنا بأن فعلهم معصية) ، ولم لا يسمحون بلعنهم كما في الحديث ، وهو منطوق الحديث ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! وهل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبّ هؤلاء الحكام وعدم ذكرهم بالسوء وحثّ على سبّ العلماء والدعاة وإن أخطأ فيهم الواحد مرة أو مرات ؟! أهذا هو من دين الله ومن فقه الإسلام ؟! والله إنّ هؤلاء لضالون محرومون من حسن الفقه عن الله ومن دقة الفهم عن رسوله صلى الله عليه وسلم . جـ. شبهة منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله : وهذا المنهج الذى إدعاه المدخلي وفرضه على أنبياء الله فرضا وكأنه نزّل عليه من السماء هو أسّ البلاء وأساس الإنحراف الذي نكب هذه المجموعة من الشباب . فإن الرجل قد إدعى أن منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله يستلزم أن نغضّ البصر عن تبديل الشرائع ، وأن نترك "ولاة الأمور" يسدرون في غيّهم وعبثهم بشرع الله وتبديلهم أحكامه ، ثم يكون همّ الدعاة في محاربة الصوفية والأشعرية وغيرها من البدع الإعتقادية . وهو في هذا يتحدث عن "التوحيد" على أنّه المحاربة لبدع الصوفية وغيرها ، وكأنّ إشراك البشر مع الله سبحانه والتشريع بغير ما أنزل ليس من التوحيد !
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين [*] لو أردنا أن نكيل له بالمكيال الدنئ الذي يستعمله هو ومن هم على شاكلته من أطلاق النعوت البذيئة على أهل السنة الشرعيين لسميناه "رقيع المدخلي" وصاحبه "مدبر بن هاذى" لما يقوله من هذيان. ولكننا والله أرفع من أن نلوث أنفسنا بمثل هذا النجس المنحط الذي لا يصدر إلا عن شنآن من قصر عقله وعدوان من ضاق أفقه وانحطت سريرته . قال الشاعر وإذا أتتك مذمّتى من ناقص ٍ فهي الشهادةُ لي بأني كاملُ
[1] كتب صدرت عن الفرق وهي : "الصوفية نشأتها وتطورها"، "المعتزلة بين القديم والحديث" و"مقدمة في أسباب إختلاف المسلمين وتفرقهم" . [2] راجع مقالاتنا عن القرضاوى في هذا الموقع . [3] أئمة الحديث ومن سار على نهجهم هم أعلم الناس بأهل الأهواء والبدع ، مقال رقم 59 .
[4] راجع كتابنا بالإنجليزية "The Counterfeit Salafis" ، وقد نشرت ترجمته على هذا الموقع ، انظر قسم الكتب [5] الإعتصام للشاطبي . [6]الفروق بلقرافي و أصول الفقه لأبو زهرة . [7] راجع في عقيدة الألباني "حقيقة الإيمان عند الشيخ الألباني" محمد أبو رحيم. [8] و بالمصطلحات الحديثة "إرهابي و أصولي " و ما أشيه ذلك . [9] أقول : بل إنه أمر توحيد وكفر ، ووجوبه هنا هو وجوب الإيمان بالتوحيد لا وجوب كوجوب الفروع . [10] "عمدة التفاسير" أحمد شاكر، جـ1 ص216. [11] راجع مجموعة فتاوى الشيخ الإمام محمد بن إبراهيم جمع الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن القاسم [12] كتاب "التوحيد" صالح الفوزان [13] وهو ما حكاه عنه صديق عمره محمد حسنين هيكل أنه لا جنة ولا نار ولكن هذه الدنيا هي جنتنا ونارنا. [14] الوليد : مجهول [15] صدوق يخطي، وإنما سقنا الحديث تعضيدا للرواية الصحيحة لمسلم [16] الوليد بن مسلم : ثقة يدلس [17] مسلم بن قرظة : مقبول [18] منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله ص140 وبعدها [19] السابق ص 183 |
Readers Commentsالجزائربواسطة :أبو عدي
التاريخ : الأحد 11 نوفمبر 2007
بارك الله فيك يادكتور طارق ووفقك لكل خير فقد أحسنت أيها الشيخ الفاضل واجدت ووفيت في بيان حال هذا الخنفشاري -على حد تسمية الشيخ بكر ابي زيد لصنف منالناس من ادعياء العلم والاحاطة بعلم السلف والخلف واظن ان هذا الوصف ينطبق تماما على ربيع المدخلي-الدعي المتشبع بما لم يعط الذي كان سببا في احداث فتنةبين المسلمين من اهل السنة والجماعة لاول مرة تحدث كما ذكر الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق على ما اظن ولذلك وجب على اهل العلم ايقافه عند حده وتعريفه قدره حتى يرعوي ويكف عن التطاول على اسياده من العلماء وحتى يفيق من سكرته ووهمه بانه حامل لواء الجرح والتعديل لان علماء الجرح والتعديل الآن في المقابر كما قال العلامة الفوزان.......
Concerning Sheyk Muqbelبواسطة :Sameh al felasttini
التاريخ : الخميس 06 ديسمبر 2007
We ask Allah to forgive sheyk Rabee.The problem is that you are using the same wapon.Also, Sheyk Muqbel is spite of his later shidaa in jarh is an Imam and agreat scholar of hadeeth.So, jazakaAllahu kehyran remember this.
المدخلي دخيل على أهل السنةبواسطة :ناصر
التاريخ : الاثنين 17 ديسمبر 2007
معروف هذا الرجل بعداوته لأهل الحق والعلماء العاملين الذين لا يخافون في الله لومة لائم . والحمد لله الذي فضح أمره على أيدي المخلصين.
جزاك الله خيرابواسطة :محب السنة
التاريخ : الأربعاء 19 ديسمبر 2007
شيخنا الفاضل اصبت وجزاك الله خيرا وتقبل منا ومنك وجعلك سهما في نحور من خالف السنة باسمها
السعوديةبواسطة :اشرف
التاريخ : الأحد 17 فبراير 2008
احبك في الله واسأل الله ان يملئ الارض من امثالك ويجعل ذلك في ميزان حسناتكويوفقك للدفاع عن هذا الدين وكشف حقيقة من يتشدق بأسم السنة
بلاء أهل السنهبواسطة :أبو زياد
التاريخ : السبت 08 مارس 2008
جزى الله الشيخ خيرا في توضيح هذه الفتنه التي تشربتها القلوب وعميت بها الأبصار ولا تكاد تبرح أمة الإسلام من تعدي مثل هؤلاء الجناه على أهل السنهواللهمن وراء القصد
صوت من صعيد مصربواسطة :أبو عبد الله
التاريخ : الخميس 03 أبريل 2008
هل هو ثأر تاريخي بين المدخلي وبين غيره ممن نعرفهم ومن لانعرفهم ؟ أم هو متشبع بما لم يعط ؟ أم هيام كاذب وولع بالحكام الذين لا يحكمون شرع الله هذه دروشة جديدة هذا وهم كبير . جزاك الله خيرا يا شيخ طارق
بواسطة :
التاريخ : الخميس 12 فبراير 2009
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته احسن الله اليكم شيخنا الجليل وامتع المسلمين بكم
ذكرت فضيلتكم الملحد عبد الناصر واستدللت بنقل عن هيكل فهل يمكن ذكر المصدر
فأنا اعتبر ان أس البلأ ثلاثة رجال
محمد على
الخديوى أسماعيل
الزعيم الخاسر
مع التفاوت بينهم فأولهم لايدرى عمالته للغرب والثانى يدرى وكذا الثالث
ولكن يجب تربية الامة على المصطلحات الشرعية
وأنا اعلم ان الثلاثة ادوا ابشع الادوار ولكن الحكم الشرعى لايصدر الا عن عالم ولست-أنا- كذلك
وعندى معرفة بكلامك الشيخ عمر عبد الرحمن
ولكن هل هناك تصريح ب(-كفر -نفاق- زندقة-ردة)الخاسر
من علماء آخرين للضرورة
هداك الله وأصلحكبواسطة :أبو عبد الله -الجزائر
التاريخ : الأحد 15 مارس 2009
الأخ اأبو عبد الله - والله لا أدرى من هم المضلون الذين دافعنا عنهم!!! هلا أوضحت ما تقصد هداك الله؟
يا د.طارق الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله أفسدوا على الناس دنياهم بنشر الفساد وأنتم افسدتم على الناس دينهم بدفاعكم عن المضلين رغم اعترافكم بضلالهم فأسال الله ان يهديكم أجمعين، انشر انها أمانة..
أولئك لا خلاق لهمبواسطة :أبوصهيب المصرى
التاريخ : الثلاثاء 28 أبريل 2009
هم من أبناء جلدتنا ويتحدثون بألسنتنا ويدعون بأنهم خير خلف لخير سلف وكذبوا إذ السلف منهم براء بل هم الذين ينافحون عن الطواغيت ليل نهار فاحذروهم ياأولى الألباب
Add Comment |